الجمعة، 15 أغسطس 2008

العقيدة النووية الروسية






مفهوم الأمن القومي الروسي

المبادئ المتصلة باستخدام القوة من قبل روسيا

القدرات النووية الروسية

أصبح النقاش حول الاعتماد المتزايد على السلاح النووي الروسي موضوعا مركزيا بدءا من العام 1993 عندما أسقطت موسكو ما كان يعرف باسم (سياسة عدم استخدام السلاح النووي أولا). وفي الواقع شهدت العقيدة النووية الروسية تطورا بطيئا مع انهماك القيادة -بشقيها السياسي والعسكري- في النقاشات الدائرة طيلة فترة التسعينيات خلف الأبواب المغلقة.

وفي العام 1999 بدأت تتشكل ملامح عقيدة نووية جديدة تعتمد -بحسب ما تذكره التقارير الرسمية- على إعطاء السلاح النووي مهام جديدة تهدف إلى منع نشوب الحروب التقليدية المحدودة.

ويعزو المتخصص بالشأن الروسي د. نيكولاي سوكوف كبير الباحثين في مركز الدراسات النووية في الولايات المتحدة ظهور هذه العقيدة الجديدة في الفكر الإستراتيجي الروسي إلى عاملين أساسيين:

أولا- وجود قناعة لدى القيادة الروسية بوجود خطر خارجي يتهدد البلاد (لاسيما خلال الفترة ما بين (1990-1999) يتمثل في احتمال لجوء حلف الناتو إلى القوة العسكرية (على نطاق محدود) من أجل الحصول على مكاسب سياسية وبطريقة شبيهة بالحروب التي جرت في منطقة البلقان.

ثانياً- وجود قناعة راسخة بضعف القوات التقليدية وعدم قدرتها على مواجهة حرب محدودة في ظل التفوق النوعي والكمي لحلف الناتو.

ومن منظور القيادة العسكرية الروسية، كان الاعتماد على السلاح النووي ردا منطقيا على هذه المخاوف مجتمعة على أساس أن القدرات النووية لديها مزايا غير تلك التي حصرتها القيادة السوفياتية السابقة بـ(ردع هجوم نووي واسع النطاق).

لكن وفي الوقت نفسه، شددت الوثائق الرسمية الروسية على أن الاعتماد على السلاح النووي سيكون عاملا مؤقتا لتوفير الأمن القومي إلى حين استكمال خطط تطوير وتعزيز القوات التقليدية.

وعقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، تراجعت مظاهر التوتر التي كانت تسود العلاقات الروسية الأميركية مع إعلان الجانبين عن تحالفهما السياسي في الحرب ضد ما يسمى الإرهاب الدولي، طبعا مع بقاء العديد من النقاط الخلافية بشأن الكثير من المسائل الدولية مثل الوضع في الشيشان وإقليم كوسوفو، وتوسيع حلف الأطلسي.

واستمرت فترة من الهدوء في العلاقات بين الطرفين على الرغم من معارضة روسيا الحرب على العراق الأمر الذي تبين فيما بعد بأن الخلاف لم يكن أكثر من سحابة عابرة.

بيد أن عودة الهدوء إلى تلك العلاقات لم تترك أثرا كبيرا على العقيدة النووية الجديدة في روسيا كونها لم تكن موجهة ضد الولايات المتحدة بشكل مباشر بالرغم من مخاوف القيادة العسكرية، على وجه الخصوص، من التفوق الساحق للقوة العسكرية الأميركية.

وتماشيا مع هذا النمط من التفكير، كانت التغيرات المتصلة بالسياسة الخارجية -بحسب د. سوكوف- مجرد إجراءات مؤقتة في الوقت الذي كانت السياسات الاقتصادية والعسكرية توجها إستراتيجيا ثابتا.



في 1 يناير/كانون الثاني من العام 2000 وقع الرئيس الروسي بالوكالة فلاديمير بوتين (الذي انتخب رسميا في مارس/آذار سيدا للكرملين) على المفهوم الجديد للأمن االقومي للاتحاد الروسي.

وقد اعتبرت هذه الوثيقة تعديلا لمفهوم عام 1997 وذلك في إشارة سياسية على تأكيد استمرارية السياسة العامة ما بين إدارتي يلتسين وبوتين.

مع العلم أن العمل على المفهوم الجديد للأمن القومي بدأ مع تعيين بوتين سكرتيراً لمجلس الأمن الروسي مطلع العام 1999 وقد نشرت أول نسخة للمفهوم الجديد في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1999.

ويؤسس المفهوم الجديد للضوابط والتوجيهات العريضة المرتبطة بالأمن القومي الروسي وبالتالي يتناول الإستراتيجية النووية بخطوطها العامة دون الخوض في التفاصيل التي أعدت في إطار العقيدة العسكرية والتي صودق عليها بعد أربعة آشهر من إعلان وثيقة الأمن القومي.

ومن أهم الفقرات المتصلة بالسلاح النووي الواردة في المفهوم الجديد:

"من أولويات مهام الاتحاد الروسي توفير الرادع الذي يمنع شن أي اعتداء بما في ذلك الاعتداء النووي على روسيا وحلفائها".

"يجب على الاتحاد الروسي امتلاك الأسلحة النووية القادرة على إلحاق الضرر بأي دولة معتدية أو تحالف من الدول المعتدية تحت أي ظرف كان".




"استخدام جميع القوى والوسائل المتاحة بما في ذلك السلاح النووي في حال لزم الأمر لصد اعتداء مسلح، بعد أن تستنفذ جميع الوسائل الرامية لحل الأزمة أو أن هذه الأجراءات اثبتت فشلها".

الفقرتان الأوليان هما تكرار لما جاء في وثيقة الأمن القومي الروسي التي أعدت في عهد يلتسين عام 1997 في حين تمثل الفقرة الثالثة الاختلاف الذي يعكس العقلية الروسية الجديدة بخصوص التعاطي مع مسائل الأمن القومي. فهذه الفقرة نصت في وثيقة عام 1997 على:

"تحتفظ روسيا بحق استعمال كافة القوى والوسائل المتاحة لها، بما في ذلك السلاح النووي، لصد أي اعتداء يشكل تهديدا مباشرا على وجود الاتحاد الروسي كدولة مستقلة وذات سيادة".

بمقارنة الفقرتين، يتبين بأن الوثيقة التي أعدت في عهد يلتسين تتيح استعمال السلاح النووي في حال شن اعتداء واسع النطاق والذي لم يكن أمرا محتملا في تلك الفترة.

أما وثيقة الأمن القومي التي أعدت في عهد بوتين فتسمح باستخدام القوة النووية ضد أي اعتداء، صغيرا كان أم كبيرا، حتى ولو لم يهدد وجود وكيان الدولة.

كما أن هذه المهمة تتضمن الاستخدام المحدود للقوة النووية مقارنة مع الضربة النووية الشاملة ردا على أي هجوم واسع النطاق كما ورد في وثيقة 1997.

ويرى المراقبون أن هذا التغيير الواضح في العقيدة النووية الروسية يرتبط ارتباطا مباشرا بالتوصيف الروسي للتهديدات المحتملة التي يلخصها المفهوم الجديد للأمن القومي بـ:

-"رغبة بعض الدول أو مجموعات داخل الدولة بتحجيم دور الآليات القائمة لتوفير الأمن الدولي وأولها الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي".

-"تقوية التكتلات العسكرية السياسية وتحالفاتها وأولها توسيع حلف الناتو شرقا".

-"ظهور قواعد لقوات أجنبية أو حشود عسكرية في الجوار القريب للحدود الروسية".

-"انتقال حلف الناتو إلى ممارسة العمليات العسكرية خارج نطاق مسؤولياته دون تفويض من مجلس الأمن الدولي".

وفي الإطار ذاته تعترف وثيقة الأمن القومي الروسي بضعف القوات التقليدية مقارنة مع القوى السياسية والعسكرية الكبرى على الساحة الدولية وتشير إلى "اتساع الفجوة التكنولوجية مع القوى الكبرى وإمكانياتها على إنتاج جيل جديد من السلاح القادرعلى إحداث تغييرات أساسية في أشكال وأساليب القتال".

وضمن هذه المعطيات والظروف المحيطة بالقوات التقليدية الروسية بات الاعتماد على السلاح النووي خيارا منطقيا إذا استنفدت الوسائل السياسية لحل الأزمة الناشئة.

يشار إلى أن المراجعة الشاملة للإستراتيجية النووية أقرت في اجتماع مجلس الأمن الروسي في أبريل/نيسان 1999 بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب في إقليم كوسوفو.

هذه الحرب عززت المخاوف الروسية السابقة من قيام الولايات المتحدة والناتو بعملية عسكرية محدودة ضد روسيا من أجل الحصول على مكاسب سياسية مثل إجبارها على سحب قواتها من بعض الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق أو وقف الحرب في الشيشان.

لذلك يركز المفهوم الجديد للأمن القومي الروسي على أن الاعتماد على السلاح النووي يبقى إجراء مؤقتا إلى حين استكمال جميع الخطط والإصلاحات لتطوير وتحديث القوات التقليدية.

وفيما يخص الحد من التسلح، يحتل هذا البند موقعا هاما في المفهوم الجديد للأمن القومي الروسي وتحديدا فيما يتصل بانتشار الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة التدمير الشامل ووسائط نقلها.

وتدرج الوثيقة هذه الأخيرة قضية انتشار الأسلحة النووية كواحدة من التهديدات التي تواجه الأمن القومي، الأمر الذي لا يمكن اعتباره مفاجئا نظرا لوجود العديد من الدول الساعية لنشر السلاح النووي من جهة، ولأن انتشار الأسلحة النووية سيقوض موقع روسيا كواحدة من الأعضاء الخمسة المعترف بهم رسميا في النادي النووي، من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار، يطرح مفهوم الأمن القومي الجديد -من ضمن أولوياته- عددا من "الإجراءات لضمان السيطرة الدولية على تصدير الخدمات والتقنيات العسكرية أو المواد ذات الاستعمال المزدوج"، كما يؤكد عزم الاتحاد الروسي تنفيذ الإجراءات والترتيبات المتصلة بضبط التسلح، لكن مع تعديل الموقف من أي اتفاقيات جديدة بهذا الشأن.

فوثيقة عام 1997 قالت إن روسيا "ستساهم في المفاوضات بخصوص خفض الأسلحة النووية والتقليدية، وضبط انتشار أسلحة التدمير الشامل ووسائط نقلها.

في حين أجرت وثيقة العام 1999 تعديلا كبيرا على هذا الموقف بالإشارة إلى أن روسيا عازمة على "تكييف الاتفاقيات المعمول بها بشأن ضبط التسلح ونزع السلاح مع الأوضاع الجديدة السائدة على ساحة العلاقات الدولية بالإضافة إلى إعداد -عند الضرورة- اتفاقيات جديدة مع احترام إجراءات بناء الثقة والأمن".

هذا التعديل يشير إلى موقف جديد بشأن اتفاقيات ضبط النسلح على أساس أن الاتفاقيات التي عقدت خلال أو بعد الحرب الباردة كانت كافية بالنسبة لدولة عظمى، لكنها ليست كذلك بالنسبة لروسيا اليوم.

إذ ترى روسيا أن بعض الاتفاقيات أو البنود تفرض عليها قيودا مشددة في الوقت الذي لا تفرض على دول أخرى أي شيء، في إشارة واضحة إلى اتفاقية ستارت دون أن تذكرها وثيقة الأمن القومي 1999 صراحة.

فعلى سبيل المثال لم يعد الحظر الذي تفرضه اتفاقية الصواريخ العابرة للقارات (ستارت 1) في صالح روسيا التي تسعى حاليا إلى تعديله في اتفاقية ستارت 3. فهناك جدل مستمر في القيادة الروسية حاليا بشأن إمكانية القبول بالقيود المفروضة ذاتيا على الأسلحة النووية التكتيكية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن روسيا لم تصادق حتى الآن على معاهدة ستارت 2 للأسباب نفسها.

لذا ومن بين جميع الاتفاقيات الخاصة بضبط التسلح التي تشترك بها روسيا، تجد اتفاقيتا منع انتشار الأسلحة النووية والأسلحة الكيمياوية فقط قبولا إيجابيا من قبل موسكو. فيما ترى القيادة الروسية أن الاتفاقيات الأخرى القديمة لم تعد صالحة في عالم غابت عنه المنافسة الدولية بعد تحوله إلى نظام أحادي القطب.

واستنادا إلى ما تقدم، تمثل اتفاقية 2002 الخاصة بخفض الأسلحة الإستراتيجية الهجومية (سورت) التوجه الروسي الجديد، الأمر الذي يفسر إصرار موسكو على جعلها اتفاقية ملزمة قانونيا للأطراف الموقعة عليها بدلا من كونها، كما هي الآن، مجرد إجراءات لبناء الثقة.

ولعل من أهم التعديلات التي أدخلتها وثيقة الأمن القومي الروسي عام 1999 توسيع السيناريوهات المحتملة للصراع التي يمكن استخدام السلاح النووي فيها.

إذ إن العقيدة الأمنية الروسية الجديدة تميز بين أربعة أنواع من الحروب:

1-الصراع المسلح ، وبشكل أساسي الديني أو العرقي المنشأ داخل البلاد بمشاركة دول أخرى.

2-الحرب المحلية التي تشنها دولة أو مجموعة دول معادية لكنها ذات نطاق وأهداف محدودة.

3-الحرب الإقليمية التي تشنها دولة أو تحالف من الدول لتحقيق مكاسب سياسية.

4-الحرب الكونية التي يشنها تحالف من الدول وعلى نحو يهدد وجود وكيان الدولة الروسية.





تستند الجداول التالية على الأرقام الرسمية المتبادلة بين الأطراف الموقعة على معاهدة ستارت 1. فكما هو معروف يتم تقديم مذكرة تفاهم ستارت 1 مع بداية ومنتصف كل عام، وتنشر المعلومات ذات الصلة بعد ثلاثة أشهر من تبادلها بين الأطراف المعنية.

واستنادا إلى البنود الواردة في المعاهدة، تعتبر منصة الإطلاق الوحدة الرئيسية لحساب القدرات النووية لكل طرف وتشمل، صومعة الصاروخ البالستي، المنصة المتحركة، والقاذفة الإستراتيجية.

لذا وحتى بعد إزالة الصاروخ من الصومعة، تعتبر هذه الأخيرة منصة للصاروخ المعد لها وبالتالي تدخل في حسابات وكشوفات مذكرة التفاهم وإلا يعد ذلك خرقا لبنود الاتفاقية.

وبالنسبة لمعاهدة ستارت 1، يتم احتساب الصاروخ والرأس النووي في الجداول الرقمية حتى يتم تدمير الصومعة أي المنصة التي يطلق منها وبعد مرور فترة تسعين يوما من التفتيش الميداني.

ويوضح الجدول التالي القدرات النووية الروسية طبقا لكشوفات مذكرة تفاهم معاهدة ستارت 1 في 31 يوليو/تموز 2002:

الرأس الحربي

عدد المنصات

نظام التسليح

الطراز

3115

709

148 SS-18
150 SS-19
36 SS-24
345 SS-25
30 SS-27

صواريخ بالستية عابرة للقارات تطلق من الأرض عبر منصات ثابتة تعرف عسكريا باسم (صوامع الصواريخ)

1744

332

24 SS-N-8
112 SS-N-18
100 SS-N-20
96 SS-N-23

صواريخ بالستية تطلق من الغواصات

624

78

تي يو (160): 15
تي يو( 95): 63

قاذفات إستراتيجية

مزودة بصواريخ عابرة تطلق من الجو

5483

1119

المجموع الكلي

ليست هناك تعليقات: