الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

واشنطن وصنعاء تعدان ضربات للقاعدة






عناصر تقول إنها من القاعدة ظهرت علنا في الأيام الأخيرة جنوب اليمن
نقلت قناة "سي أن أن" التلفزيونية الأميركية عن مسؤوليْن أميركييْن لم تكشف هويتهما أن واشنطن وصنعاء تدرسان توجيه ضربات جديدة لمواقع تنظيم القاعدة في اليمن بعد الضربتين اللتين تلقاهما التنظيم في الأيام الأخيرة جنوب البلاد.
وقالت القناة إن المسؤولين كشفا أن المباحثات الجارية بين الجانبين هدفها الاستعداد ودراسة الخيارات المحتملة إذا ما قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما شن هجمات على القاعدة في اليمن انتقاما لمحاولة تفجير طائرة أميركية قبل أيام.
وأضافت أن المسؤولين الأميركيين واليمنيين يحاولون دراسة وتحديد أهداف متصلة بشكل مباشر بحادث الطائرة التي كانت قادمة يوم 25 ديسمبر/كانون الأول من مدينة أمستردام الهولندية إلى ديترويت الأميركية وعلى متنها ثلاثمائة شخص.
وكان "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" قد تبنى محاولة تفجير الطائرة، قائلا إن الهجوم كانت انتقاما من الهجمات الأخيرة على مواقع له في اليمن، وهي الهجمات التي قال إنها نفذتها مقاتلات أميركية.
وأكد التنظيم في بيان نشره على الإنترنت أن منفذ العملية هو النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، وقال إن الجماعة أمدته بـ"عبوة ذات تقنية متطورة ولكنها لم تنفجر بسبب خلل فني".

علي عبد الله صالح طلب دعما عسكريا من الولايات المتحدة (الفرنسية)
مزيد من الضغط
ومن جهتها قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن إدارة أوباما "ربما ستزيد من الضغط" على الحكومة اليمنية لتركز جهودها الأمنية على محاربة تنظيم القاعدة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أن هذا التوجه كان موجودا حتى قبل محاولة تفجير الطائرة الأميركية، مشيرين إلى أن الحكومة اليمنية أبدت منذ شهور استعدادها للتعاون مع الأميركيين "لمحاربة الإرهاب في اليمن".
وذكرت الصحيفة أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح جدد منذ أسبوعين التزامه بمحاربة ما يسمى الإرهاب في مكالمة هاتفية مع أوباما، وطلب مساعدة بلاده بالأسلحة في حربها مع جماعة الحوثيين شمال البلاد.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من ذلك قلقة من "عدم رغبة" الحكومة اليمنية في إنهاء حربها مع الحوثيين كي تتفرغ لمحاربة القاعدة.
وفي السياق نفسه طلب وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي تقديم المزيد من المساعدة لبلاده كي تحارب القاعدة.
ووصف المستوى الحالي من التعاون بأنه "غير كاف"، وقال إن بلاده بحاجة إلى المزيد من التدريب لـ"وحدات مكافحة الإرهاب" والمزيد من العتاد العسكري، ولا سيما الطائرات المروحية.
وقدر القربي في تصريحات صحفية يوم أمس عدد أعضاء تنظيم القاعدة في بلاده بنحو ثلاثمائة، داعيا واشنطن إلى تبادل المعلومات الاستخبارية لمحاصرة نشطاء التنظيم ومنعهم من دخول اليمن.

أبو بكر القربي قدر أعضاء القاعدة في اليمن بنحو 300
تهديد متنام
ومن جهته قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) برايان ويتمان إن برنامج المعونة المعلن الذي تقدمه بلاده لليمن من أجل "مكافحة الإرهاب" زاد من 4.6 ملايين دولار في العام المالي 2006 إلى 67 مليونا خلال العام المالي 2009.
وأضاف ويتمان أن هذه الأموال استخدمت في عام 2009 لتوفير التدريب والمعدات مثل أجهزة الاتصال اللاسلكي وأجزاء الطائرات المروحية والشاحنات وقوارب الدورية، إضافة إلى مساعدات أخرى لم يفصل في ذكرها.
وفي وقت سابق قال مسؤولون أميركيون إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أيه" تتابع بقلق "التهديد المتنامي" لتنظيم القاعدة في اليمن، مضيفين أن ذلك دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أن يوسع المعونة للحكومة اليمنية.
وأكد المسؤولون أنفسهم أن هناك تقارير استخبارية تشير إلى أن فرع القاعدة في اليمن هو من أنشط فروع التنظيم خارج باكستان وأفغانستان، وأن تهديده بات يتجاوز الرقعة الإقليمية إلى المستوى العالمي.
وقال مسؤول عسكري أميركي عن هذا "التهديد" الذي يمثله جناح القاعدة في جزيرة العرب "إنه يتطور منذ عدة أشهر"، مضيفا "إنهم يركزون حقيقة على اليمن والسعودية"، غير أنه أكد أن هناك مؤشرات على أن "القاعدة في اليمن بدأت تركز على أهداف عالمية بدلا من الأهداف الإقليمية"

اليمن نيران مشتعلة وأخرى تحت الرماد



مضى على عملي في جامعة تعز في اليمن عام واحد لما وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001. وفي خاتمة أول رمضان يمر، بعد الغزو الأمريكي للعراق، تهيأ الناس للصلاة في ساحة الملعب البلدي، وفي الصباح افترشنا أرضا أشبعتها الأمطار رطوبة لدرجة الشعور ببعض القشعريرة، وصلينا، وكم كنت شغوفا لسماع ما سيرد في خطبة العيد صحبة الآلاف من المصلين، وغلب على ظني، أو أنني توهمت، أن الشيخ سيتحدث عن الكوارث والمحن التي تمر بها الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، فإذا به يصول ويجول في إنجازات الرئيس ويتباهى بنبرة متعجرفة، إلى حد الشماتة المقززة، فيما حل بأفغانستان والعراق: « الحمد لله أن بلادنا بخير وليست كالبلاد الأخرى! إن فخامة الرئيس حمى البلاد من أن تكون مثل أفغانستان .. الحمد لله ليس عندنا متطرفين .. ولسنا محاصرين ولا يهددنا أحد .. وها هي اليمن تنعم بالخير والأمن والأمان». هذا ملخص ما أنشده الشيخ! فالتفت من حولي؛ فوجدت أن ثلثي المصلين قد غادروا المكان، قلت في نفسي: ألهذا الحد تصل الشماتة بعباد الله؟ وفي يوم العيد؟ وهل هذا الشيخ يعي ما يقول؟ وهل هو وبلاده بمنأى عما يحصل في عالم المسلمين؟

قفلت راجعا وولدي إلى المنزل وأنا أتفكر مبهوتا مما سمعت. فليست هذه اليمن التي عشت مع عشرات الزملاء من أبنائها في الجامعات، وعايشت الآلاف منهم عن قرب ... فاستفسرت بعض الزملاء والأصدقاء اليمنيين عما قاله الشيخ الخطيب؟ فقالوا لي: هذا شيخ المؤتمر .. فلا تقلق. فضحكت. فسألني أحدهم: لماذا تضحك؟ فقلت له: من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة. أيعقل أن نسمع هذا الكلام من شيخ وبالأمس ضربت القاعدة في عدن وفجرت المدمرة الأمريكية يو إس إس كول؟ أيعقل أن تكون البلاد بهذا الفقر المدقع والفساد فيما ينعم الشيخ بالأمن والأمان؟ أيعقل .. أيعقل .. أيعقل ..... ؟

بعد انفجار الحرب الحوثية في الشمال اليمني ( يونيو / حزيران 2004)؛ واندماج القاعدة بجزأيها الشمالي والجنوبي في الجزيرة العربية ( 23/1/2009) تحت قيادة واحدة؛ وتفجر الاحتجاجات الشعبية في الجنوب أو ما يعرف بالحراك الجنوبي (2007)؛ وبعد سلسلة الهجمات الجوية الأخيرة في أبين وشبوة وأرحب وما خلفته من عشرات الضحايا من الأطفال والنساء وددت لو أن شيخنا يفسر لنا ما يجري في اليمن؟ وأين وصلت إنجازات الرئيس؟ وهل الأمن والأمان الذي ينعم به الشيخ يشمل الضحايا الذين سقطوا؟ أم أنهم خارج المنظومة الأمنية والبشرية للمجتمع اليمني؟

حتى لو تجرأ وأجاب فلن يقول أقل مما قاله قبل خمس سنوات. فليسمح لنا بالقول أن ما يجري في اليمن هو فوق طاقته على الاستيعاب، إذ هو حصيلة سياسات دولية (أولا) أمريكية وإيرانية على وجه الخصوص، وحصيلة حسابات عربية وإقليمية بالتحديد (ثانيا)، وحصيلة أهم لاستحقاقات داخلية (ثالثا) وحصيلة لحراك اجتماعي (رابعا) ليس الفساد الشامل إلا أحد أبرز محركاته. وفي المحصلة فإن الدولة فاشلة ليس لأن الأمريكيون وصفوها كذلك، وهم صادقون، بل لأنها فاشلة وتصر على الفشل الذريع دون أن يرتد لمسؤوليها طرف من حياء أو منطق. لنعاين بعض ملامح المجتمع اليمني وما حل به على يد بعض أبنائه وحكامه.

لمحات عامة من المجتمع اليمني

صدق من قال أن اليمن هي أمة العرب. فاليمن هي الخزين الحضاري الوحيد لأمة العرب. وهي الناطق الرسمي الأقدم لتاريخ العرب وحضاراتهم وخصائصهم التي تنفرد فيها عن غيرها من الأمم. وهي الأمة الحية الفاعلة والفعالة للعرب منذ قديم الزمن، أما أهلها فيتوقدون ذكاء من صغيرهم إلى كبيرهم، وهي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يمن الإيمان والحكمة .. ويمن المدد والأمن والأمان. بلاد عجيبة حقا؛ فهي أحد أوتاد الأرض، وأولى القلاع العسكرية العربية، والمتنقل فيها، في فصل الشتاء، يلحظ الفصول الأربعة في يوم واحد. تضاريسها خلابة، مليئة بالخيرات، وأمطار سنة واحدة فيها تكفي الناس لمائة عام. لكن ومن يعش بين ظهرانيها اليوم يعجب مما وصلت إليه هذه الأمة من بؤس عجيب. فهي فقيرة وعطشى وجوعى ومسلوبة الإرادة والحرية، والفساد فيها متجذر في الدولة والمجتمع على السواء، وفي قمة الهرم الاجتماعي وأدناه، بل ويضرب مختلف الفئات العمرية.

المجتمع اليمني مجتمع قبلي، لكن التفاضل الاجتماعي فيه قيمي وليس طبقي، فهو قائم على المكانة الاجتماعية وليس على الرأسمال ولا على الثقافة، فالكل هناك رقم في القبيلة لكنه يتمايز عن غيره بمكانته الاجتماعية، وأرفع صور المكانة؛ تلك التي تميز بين الأشراف والأسياد أو العامة وأدناهم الأخدام، بقايا شريحة من غزو أثيوبي قديم تقطعت بها السبل وظلت الغالبية الساحقة جدا منها خارج الميزان القيمي والاجتماعي والديمغرافي وحتى الإنساني إلى يومنا هذا. أما ضعيف السلالة في اليمنيين فهو من لا يعرف من نسبه أكثر من حدود الجد الخامس.

ومع أن الغالبية في اليمن ما زالت على الفطرة؛ تصلي وتزكي وتصوم النهار وتقوم الليل وتجاهد وتتعاطف مع المحتاج والمسكين إلا أن قيم الناس باتت أشبه بأوحش القيم المستوحاة من التراث اليهودي الرأسمالي بأقبح صوره، بدء من الكذب والزور والبهتان والنصب والاحتيال والسرقة والرشا وانتهاء بالاستغلال والخداع والغدر ... ، وكأنها أمة تعيش في جاهلية ... قيم .. الكل يشكو منها ويعاني وطأتها، والكثير يمارسها!

تكاد الشخصية اليمنية تتماثل في مناطقها لكنها تختلف من حيث نظرتها للحياة، ففي الشرق حيث حضرموت تشعر بعمق الحضارة وصدق المعشر وأنت تعايش شخصية عزيزة النفس وذات عقلية تجارية تدرك من أين تؤكل الكتف لكن باحترام، بينما لا تعثر في الشمال، وخاصة في عمران، إلا على مثال للشخصية يتصف بالقسوة والسلوك الخشن بخلاف سكان الوسط حيث الشخصية اللينة القابلة للتشكل وغير الصدامية، أما في الجنوب فثمة شخصية متحضرة في عدن لكنها متوثبة في أبين والضالع وشبوة وعملية في الحديدة كحضرموت تماما رغم شدة الحرارة وقسوتها في الصيف.

الفساد

في عهد الإمام كان اليمن يعيش وفقا لفطرته التاريخية البسيطة .. مكتفيا .. لا يضيره كثيرا ما يجري في الخارج، قالوا عنه يمن التخلف .. لكن يمن الإمام لم يكن به فساد ولا مظالم كبرى إلا ما يخلفه الجهل بين جنباته أو ما تتركه حياة العزلة في شخصيته. واليوم ثمة دولة بها مؤسستان تعملان بكفاءة عالية هما: الأمن السياسي ووزارة المالية. ويا ويل من تورط بمشكلة أمنية أو مالية معها، فهذه لها كل الحقوق، ولخصمها كل الأذى حتى لو كان أبو زيد الهلالي. وثمة عشرات القصص عن الفساد والظلم الذي تشمئز من هوله أعماق النفس البشرية. فما من قطاع أو مؤسسة إلا ويفتك بها الفساد ويعشش بها المفسدون. ففي مؤسسات الدولة لا يتوقعن أحد أن يحصل على حقه من معاملة رسمية بسهولة إلا ما ندر. فأي معاملة أو سلوك إداري لا بد وأن تصطدم في لحظة ما بالرشوة .. تلك العقبة الكأداء المستوطنة في الأداء الإداري، والتي يمكن أن تتجلى في الخاتم الرسمي الذي يحتجزه الموظف في جيبه وكأنه من ميراث أبيه، ولا تنتهي المعاملة قبل أن يتلقى استحقاقه، أو يمكن أن يكون استلام المعاملة نفسها عقبة كأداء كجواز السفر مثلا أو يمكن أن تكون شهادة أو وثيقة يجب استخراجها أو تسجيل مولود أو فحص طبي أو ... كل هذه الأمور لا تسير إلا بعد دفع الرشاوي غالبا.

حياة الابتزاز والنصب والاحتيال والسرقة والرشوة يعيشها المواطن ويتعامل بها في كافة المؤسسات والقطاعات ويصمت مرغما أو باكيا أو طائعا، ويكفي أن نتصور مثلا ماذا يحل بالمرضى لما يستشري فساد مدقع في الجهاز الطبي؟ أو كيف يكون حال التجار لما يتسلط عليهم جهاز الترخيص والضرائب في الدولة؟ أو كيف يكون حال المشبوه أو المتهم إذا أدخل السجن خطأ أو صوابا؟ أو كيف يكون حال جندي لا يتعدى راتبه الشهري خمسون دولارا؟ أو كيف يكون حال الطلبة لما يتلاعب بمصيرهم مافيات التعليم وتزوير الشهادات أو المستوردين لمنتجات انقطاع الكهرباء؟ أو كيف يكون حال المدينة لو لم يدفع كبار تجارها رواتب عمال النظافة من طبقة الأخدام؟ أو كيف يكون حال مسؤول لو لم يكن له سفيه يأخذ على عاتقه تهزأة الخصوم؟ أو حتى كيف يكون حال المقيم الأجنبي لو لم يتهيأ لدفع « حق القات» اليومي؟

وفي المقابل لنتصور حال مجتمع ينفق الفرد فيه أضعاف ما يكسبه من عمله أو وظيفته، فمن أين يأتي بالمال؟ أو حال فرد هزيل اجتماعيا واقتصاديا ومع ذلك يدفع رشاوى بآلاف الدولارات ويوسط أهل الحل والعقد لكي يحصل على وظيفة بوّاب في مؤسسة عامة لكي يبتز المراجعين من الناس! ثم يتقاسم الحصيلة مع مسؤوله. أو حال مجتمع هيمنت على حياته ما يسمى الآن بـ « ثقافة الوَفَر» القائمة على الكسب. ففي الجهاز الإداري للدولة تتجلى هذه الثقافة بتوفير أقصى ما يمكن من الميزانيات ليصار إلى سرقتها رسميا. أو عبر تزوير الفواتير بشكل فظيع. ثقافة الكسب هذه تسري في المجتمع والدولة كالنار في الهشيم. ففي التجارة تتجلى صورها بالحيلولة دون الخسارة بأي ثمن، فإذا ما قام صاحب مصلحة بصيانة واضطر إلى التعطل لأيام أو أسابيع فعليه أن يعوض ما خسره من مرابح بأية وسيلة يراها ممكنة أو مناسبة، وفي المجتمع تتجلى في التسول، وفي التعليم بالنجاح لمن يستحق ومن لا يستحق، وفي الجهاز الطبي بالتجارة في آلام المرضى وحياتهم، وحتى في الأيدولوجيا والعمل الحزبي كل يكسب على طريقته. فالاشتراكي يكسب بالانتهازية والتزلف للحزب الحاكم والمؤتمري يكسب بعضويته والإخواني يكسب، راضيا أو مرغما، بالتحالف مع النظام، والقومي (ناصري أو بعثي) كان يكسب من صدام، والحوثي يكسب بالحرب ومن إيران والمذهب، وحتى الرئيس نفسه يكسب بمصاهرة هذه القبيلة القوية أو تلك الشخصية النافذة ... وهكذا.

لما تفجرت الأوضاع في جنوب اليمن حاول زعماء الجنوب سابقا ركوب الموجة، وبالتأكيد فلهؤلاء رجالهم وحضورهم. لكن المسألة في اليمن اجتماعية صرفة. فالجنوبيون يعتقدون أن الجنوب محتل من الشمال. والسبب في ذلك أن الشمال نقل تجربة الفساد لديه بالكامل إلى الجنوب؛ فسيطر على المؤسسات والمرافق العامة لدولة الجنوب واستأثر بالوظائف، ولم يترك لسكان المنطقة الشيء الكثير، وهم الذين كانوا ينتظرون لحظة الخلاص من الحكم الشمولي الذي طحن ثقافتهم وسخر من عقيدتهم وهيمن على مقدراتهم وقمع طموحاتهم وأمم أراضيهم. أما الأخطر فيكمن في مشكلة الأراضي. ففي اليمن ميزة عجيبة في السرقة تنفذها الدولة بشكل كامل. وهو ما أفقد الفلاحين حقوقهم ومزارعهم وأراضيهم التي يعتاشون منها.

فالأراضي زمن الحكم الشيوعي كانت ملكا للدولة، وهذه سيطر عليها الشمال. والأسوأ أن مافيات الفساد وجدت في الجنوب مرتعا خصبا للثراء غير المشروع عبر البلطجة أكثر مما هو في الشمال الذي استهلكته السنين وبات السكان يتعايشون معه وكأنه قدرهم المحتوم. فما هي حقيقة المشكلة؟

لنقل أن المشكلة تتعلق مثلا بقطعة أرض يملكها فعليا شخص ما. ثم يبيعها إلى شخص آخر. هنا لا بد من تسجيل القطعة في دائرة المساحة والملكية. وبعد جهد جهيد من الرشاوي يجري تسجيل القطعة باسم المشتري الجديد. لكن الموظفين المتنفذين في دائرة المساحة يقومون ببيع القطعة وإصدار سندات تملك لأكثر من مالك بمقابل مادي. وما أن يسعى أحد المالكين لاستغلال القطعة في عقار أو تجارة أو زراعة حتى يظهر مالك آخر يدعي ملكيته للأرض، ثم يرفع قضية يتم بموجبها وقف العمل ليظهر بعد حين أكثر من مالك للقطعة. ولحل هذه المشكلة تبدأ عمليات الرشاوى والترضيات والابتزازات تشق طريقها ليملأ كل جيبه من كيس الآخر، وأحيانا أخرى يأتي المالك الجديد بمجموعة من المسلحين قبل الشروع بالبناء، ويستوطنون المكان حتى يرتفع البناء أو ينتهي وتنتهي معه الإشكالات بالحسنى أو بالقوة.

وبمثل هذه الطريقة وغيرها جرى سرقة ممتلكات الناس. أما هؤلاء فلم تعد لديهم قدرة على تحصيل حقوقهم خاصة وأن الدولة هي الخصم والحكم. وبطبيعة الحال مثل هذه المشكلة منتشرة في كافة أنحاء اليمن بلا استثناء، بل أنها تضرب الكبير والصغير في البلاد. ولنتصور حجم المعاناة لأولئك الفلاحين أو الضعاف الذين يشكلون الغالبة الساحقة من السكان ويتعرضون لمثل هذه الممارسات التي لا يقوون على رد مظالمها. فما الذي يمكن أن يفعلونه؟ وما الذي يمكن توقعه منهم على ما يشعرون أنه ظلم لم يعد يطاق.

بعض الدول ضربها الفساد في مستوى النخبة، أما في اليمن فقد ضرب الفساد المجتمع والدولة حتى بات وكأنه قيمة اجتماعية يدافع عنها المنتفعون منها. ولو خيرنا بعض الشرائح الاجتماعية الفاسدة، خاصة في القطاع الإداري الحكومي، بين نظام حكم جديد وبين بقاء الحال على ما هو عليه لوجدناها تفضل الوضع القائم كونه يدر عليها مداخيل لا يمكن أن تحققها في ظل نوع من العدالة الاجتماعية أو النزاهة القضائية. أما الدولة فقد تعاملت مع القبائل بصيغة جاهلية. وهذه قبلت العلاقة بسبب عجزها عن تغيير الواقع. ومن راقب عمليات خطف الأجانب لا بد وأنه لاحظ أن مطالبها كانت اجتماعية كبناء مدرسة أو مسجد أو شق طريق أو توفير الخدمات أو الحصول على بعض المعونات والإغاثة. لكن الأسوأ أن الدولة كانت تستعين في القبائل لوأد خصوماتها السياسية، مستفيدة من نزاعات القبائل فيما بينها. والأمر يجري ببساطة. فإذا ما واجهت الدولة خطرا أو تمردا أو ضغطا من قبيلة ما فما عليها لردعها إلا التحالف مع قبائل أخرى. لكن بشرط أن ترفع الدولة يدها عن خصوم حلفائها بحيث تكون النتيجة استباحة قبيلة أخرى لا ناقة لها ولا جمل في الصراع.

يؤثَر عن العلامة الحضرمي ابن خلدون القول بأن الفساد مؤذن بخراب العمران. تلك هي بالضبط المسألة الاجتماعية في اليمن. فساد يستشري في جنبات الحياة. ونظام شوه الحضارة والتاريخ والقيم والدين والأخلاق والشخصية اليمنية، وأسكن المجتمع أمراضا لا حصر لها حتى بات اليمني خارج بلاده متفوقا ومستعيدا لحكمته وعزة نفسه بينما هو في داخلها ذليلا يتسول لقمة العيش حيث يستطيع، ويفقد عزته وشكيمته كي يستمر في الحياة.

أحد الخطباء ممن ساءه حال بلاده وشعبه استعرض في عظة رمضانية، بين ركعات صلاة التراويح، ما يجري في بلاده وكيف أصبح حالها فقال: معاذ الله أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ حين قال: الإيمان يمان والحكمة يمانية .. لكن ليس يمن اليوم ولا أهله .. والله المستعان.

الغليان وانتشار القاعدة

على خلفية الفساد وإصرار المفسدين على المضي قدما حتى آخر رمق ظهرت المسألة الحوثية. فثمة فراغ كبير يمكن استغلاله بحيث تجد إيران موطئ قدم لها في رحاب نظام مؤهل لغزو صفوي. لهذا لم يبك عليه أحد حتى من أحزابه ومواطنيه. وظهرت القاعدة وظهر الحراك الجنوبي. لكن أهم ما يميز الاحتجاجات الشعبية في اليمن أنها ذات طابع فردي رغم أن المجتمع قبلي، ولا شك أن السبب في ذلك كون الفساد هبط من أعالي النخبة ليصل إلى الفرد وإلى مصالحه وإلى حياته وإلى قوته .. فأينما ولّى المواطن وجهه سيجد المشاكل بانتظاره: في المستشفى أو في المدرسة أو في الوزارة أو في الوظيفة أو في دائرة المساحة أو في الضرائب وغلاء الأسعار والفقر، أو في الوساطات والرشاوى والمحسوبيات، أو في الابتزاز والاستغلال أو .... ، وهكذا بات الفرد معنيا بالدفاع عن حقوقه وتحصيلها قبل الدفاع عن قبيلته. وهذا يعني أن الالتحاق بالقاعدة قد يكون فرديا أكثر منه قبليا. لكن لماذا القاعدة هي المرشحة أكثر من غيرها لحل المسألة الاجتماعية؟

في ذروة الحراك الجنوبي أصدرت القاعدة في 13/5/2009 كلمة صوتية لأميرها أبي بصير ناصر الوحيشي بعنوان: « إلى أهلنا في الجنوب»، وفيها حددت موقفها من الأحداث، وردت فيها على مَنْ صبوا جام غضبهم على الشمال ووصفوه بالقوة المحتلة، فقالت:

« إن ما يحدث في لحج والضالع وأبين وحضرموت وغيرها من ظلم وقهر ... لا يقره عقل ولا يرضاه إنسان ... إن ما تطالبون به هو حقكم كفله لكم دينكم ودفعتكم إليه فطركم ... وليست دعوتكم إلى رفع الظلم من الانفصال في شيء ... إننا في تنظيم القاعدة نؤيد ما تقومون به ... وندعوكم أن تحرصوا أن لا تعتدوا على إخوانكم المسلمين من الولايات الأخرى فلا ذنب لهم، وهم مظلمون مثلكم ... فقد نالهم حظٌ من الظلم في صنعاء والحديدة وتعز وغيرها مثل الذي نالكم وهم معكم في خندق مواجهة الظلم وهم يشعرون به كما تشعرون أنتم ولكنهم مغلوبٌ على أمرهم ... وسوف ينصرونكم بعون الله ويثأرون لقتلاكم فنحن أمةٌ واحدة جمعنا الدين ولا عز لنا بغيره».

وفي أعقاب الهجمات الجوية الأخيرة على أبين نزلت القاعدة إلى الساحة الاجتماعية وقدم أحد قادتها خطابا تحريضيا ودعويا أمام جموع المحتجين على المجزرة في تحد واضح للسلطة وأمام ناظريها، وكرر في خطابه ما ورد في كلمة الوحيشي عارضا تطبيق الشريعة كبديل عن النظام وقوانينه الوضعية، وكسبيل لتحصيل الحقوق المنتزعة من أصحابها. وقد قوطع الخطاب بصيحات التكبير والتأييد أكثر من مرة، وغادر عناصر القاعدة دون أن يمسهم أذى إلا من الغارة الجوية التي فتكت بالخطيب (عمير) فجرا بعد يومين من خطابه. فكيف يمكن للشريعة أن تعيد الحقوق لأهلها؟ ولماذا تبدو مغرية لمن فقدوا حقوقهم؟

الجواب صار عند صحيفة الـ « واشنطن بوست» الأمريكية منذ زمن، فكيف لا يكون عند أصحاب الشأن. فقد كتبت مراسلة الـ « واشنطن بوست» في إسلام آباد باميلا كونستابل مقالة عن تطبيق الشريعة في باكستان ونشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية في 11/5/2009. وقالت فيها:

« لم تكن المطالبة بإقامة محاكم للشريعة الإسلامية في سوات مطلب طالبان وحدها، بل كانت مطلبا عاما نتيجة للسخط العام الشديد على نظام المحاكم العلماني الذي لقي انتقادات بالبطء والفساد وامتداد النظر في القضايا إلى عشرات السنين وقدرة الأشخاص النافذين في باكستان على رشوة الشرطة والفوز في القضايا على حساب خصومهم من الفقراء، في حين تتميز المحاكم الإسلامية بأنها أصغر وأسرع وأرخص».

ثم عادت الصحيفة ثانية في 8/12/2009 عبر مراسلها غريف ويت ليكتب تقريرا من ولاية لغمان الأفغانية عن رأي الناس والقبائل في حكومة الظل التي تقيمها طالبان بموازاة حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، المتهمة بممارسة فساد واسع النطاق، وأشار التقرير إلى أن: « الأفغان، في كثير من المناطق، يفضلون سلطة طالبان القاسية والحاسمة على الفساد وعدم الكفاءة التي تميز بها من يعينهم كرزاي». ونقلت الصحيفة عن نائب برلماني أفغاني أن أحد قادة القبائل قال له: « إن الوضع بدأ يتحسن بعد ظهور ما يعرف بحكومة الظل التابعة لحركة طالبان»، مستشهدا بالقول: « لم تعد هناك سرقة .. لم يعد هناك فساد.. فطالبان استطاعت أن تطبق الشريعة الإسلامية». وأوضح برلماني آخر هو خالد باشتون: « إنه سمع أثناء زيارته لقندهار مؤخرا بعض المواطنين يعربون عن ارتياحهم لقضاة طالبان»، قائلين إن :« الشريعة الإسلامية أسرع في الحكم في القضايا، فبإمكانك الحصول على الحكم فور عرض القضية على القاضي، أما لو عرضتها على محاكم الدولة فستأخذ سنة أو سنتين وربما لن تحل مطلقا، أما مع طالبان فلن تستغرق القضية سوى ساعة فقط».

لعل هذا هو بالضبط ما قصدته بيانات وخطابات قادة القاعدة. فإذا ما استطاعت القاعدة أن تفرض سيطرتها على بعض أشد المناطق تضررا من الفساد؛ وهو ما تلوح مؤشراته في الأفق ، وتوفر حلولا سريعة للمسألة الاجتماعية؛ فلماذا يراهن الفرد على القبيلة التي فشلت في حفظ حقوقه ناهيك عن حياته؟ ولماذا يراهن الفرد على الحراك الجنوبي الذي يمكن بالمحصلة احتواؤه طالما أنه يدور في فلك سياسي أكل عليه الدهر وشرب؟ فإذا ما توارت الدولة مرغمة سيتوارى معها اللصوص والفاسدون الذين سيضطرون إلى مغادرة المناطق بحيث يمكن إعادة توزيع الأراضي أو على الأقل النظر في المظالم المتعلقة بها وبغيرها. وقد تحصل على مبايعات واسعة النطاق ليس من الأفراد فقط بل ومن القبائل نفسها رغم أن القاعدة لا تعول على القبائل بعد أن خذلتها بحسب كلمة بن عمير في تأبين ضحايا مجزرة أبين. هذا ما سبق وحصل في وسط وجنوب الصومال تحت حكم حركة الشباب المجاهدين، وهو ما حصل في وقت ما في العراق حيث أمكن السيطرة على العشرات من النزاعات القبلية التي استمرت لعقود دون أن تجد لها حلا فإذا بها تختفي في بضع ساعات عبر تطبيق الأحكام الشرعية.

استهداف اليمن

في أواخر سنة 2002 نفذت طائرة أمريكية بدون طيار عملية اغتيال لأحد قادة القاعدة في اليمن هو علي سينان الحارثي (أبو علي)، فقتلته مع خمسة من رفاقه في صحراء مأرب وهو يستقل سيارة لاند كروزر صغيرة. وما أن نفذت عملية الاغتيال حتى أعلنت الولايات المتحدة مسؤوليتها بينما قالت السلطات اليمنية أن الحادث نجم عن انفجار في السيارة. وظلت السلطات اليمنية تماطل في تحديد الجهة المسؤولة عن الاغتيال قرابة الشهر إلى أن طالب نواب في البرلمان اليمني باستجواب رسمي للحكومة التي اعترفت بأن العملية تمت بالتنسيق مع السلطات الرسمية.

رصد شهود عيان استطلاعات جوية منذ عدة أشهر، لطائرات يغلب الظن أنها أمريكية، وشملت هذه الاستطلاعات مديريات الصعيد ونصاب ومرخة في محافظة شبوة، وفي محافظة البيضاء حلق الطيران على المناطق الجبلية من مديرية ناطع ومديرية مسور وأسفل حدود مديرية الصومعة ومديرية جيشان في محافظة أبين. وكانت أول الغارات الجوية من نصيب سكان قرية باكازم في محافظة أبين والتي أودت بحياة خمسين فردا من الأطفال والنساء والرجال فضلا عن مئات من رؤوس الماشية. فقد قصفت طائرات أمريكية بحسب قناة الـ ABC التلفزيونية، بعض البدو الرعاة في المنطقة في 17/12/2009، وكان من بين القتلى أكثر من ثلاثين طفلا وامرأة. ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية بلسان رئيسها وكذا مصر بالمذبحة. وكان، رايان روس، الصحفي الأمريكي في القناة، أول من نشر خبر المذبحة مشيرا إلى أن: « الإذن بالهجمات جاء من الرئيس أوباما شخصيا»، مؤكدا أن: « الجيش الأمريكي هاجم موقعين مختلفين في اليمن بصواريخ كروز». أما السلطات اليمنية، فقد اعترفت بأنها المسؤولة عن تنفيذ سلسلة من العمليات في أبين وأرحب رغم أن كل المؤشرات تدل على أن الطائرات الأمريكية هي من نفذ الهجوم.

في 21/12/2009 ألقى أحد قادة القاعدة كلمة في جموع الغاضبين على مجزرة أبين. وفي 24/12/2009 نفذت الطائرات سلسلة جديدة من الغارات فجر الخميس استهدفت مزرعة آل عبدالله بن دحة في منطقة رفض الواقعة بالقرب من مديرية الصعيد بمحافظة شبوة أو ما يعرف بمنطقة العوالق العليا. وقد أسفرت الغارة عن مقتل ستة أفراد من بينهم طفل وصاحب الكلمة محمد أحمد صالح بن عمير.

المراقب لما يحدث في جنوب الجزيرة العربية لا بد وأنه لاحظ أن الحرب الحوثية السادسة انفجرت فجأة وانطفأت كذلك! ولا يغير في هذا الأمر بقاء بعض المناوشات في بعض الأحايين بحكم سخونة المنطقة والانفلاتات بين الحين والحين. لكن إذا كان الرئيس اليمني نفسه قد أعلن في نهاية الجولة الخامسة من الحرب بأن الحرب انتهت فمن الذي أشعلها إذن وأدخل السعودية فيها بعد صمت دام قرابة الخمس سنوات على اشتعالها للمرة الأولى؟ ولماذا تنطفئ فجأة بعد جلاجل إعلامية صاخبة في المنطقة وأنباء عن تدخلات لقوات عربية قيل أنها فشلت في ردع الحوثيين؟ ولماذا تعارض أغلب الأحزاب اليمنية سياسات الدولة فيما يتعلق بالحرب أو إدانة الحوثيين؟

سؤال بسيط: بعض المصادر اليمنية تقول أن بعض ضباط الجيش اليمني يعارضون إنهاء الحرب مع الحوثيين؛ إذا كان الأمر هكذا، وهو المرجح، فمن يحكم اليمن؟ ومن يتخذ القرار فيها؟ هذا السؤال نطرحه في سياق التصعيد المفاجئ ضد القاعدة. إذ من الصعب القول بأن نظاما يمكن أن يتخذ قرارا من هذا النوع وهو يواجه أربع جبهات مفتوحة عليه. فالحوثيون في الشمال والقاعدة في الشمال والغرب، وهناك الحراك الجنوبي على أشده، وأحزاب سياسية ناقمة على النظام، ومجتمع مفكك، وضباط من داخل الجيش يصعدون الوضع مع الحوثيون. فما هي مصلحة النظام في تصعيد الموقف؟ وهل يستطيع أي نظام قوي أن يغامر بتسخين جبهة وتبريد أخرى كما هو الحال في اليمن؟

في أعقاب الهجمات الجوية أصدرت القاعدة بيانا مكتوبا (27/12/2009) قالت فيه أن مجزرة أبين: « تمت باتفاق وتنسيق يمني، أمريكي، مصري، سعودي، وبتعاون من دول الجوار»، مشيرة إلى: « تخبط وكذب الحكومة اليمنية في تصريحاتها الإعلامية حيال مجزرة أبين، بزعمها أن الغارات يمنية في حين أنها أمريكية باعتراف الأمريكان».

الحقيقة أن المشكلة تكمن في السياسة الجديدة للولايات المتحدة والتي تركز، كما هي عادة الديمقراطيين في الحكم، على المسألة الأمنية. ومن أجل السيد أوباما وبقائه مع حزبه في الحكم لأطول فترة ممكنة؛ يجب محاصرة كافة بؤر المقاومة والتوتر في العالم الإسلامي حتى لو تطلب الأمر احتلال الجيوش المحلية والأجهزة الأمنية للدول بحيث تصير فقط أداة بيد الأمريكيين.

فقد توقفت الحرب مع الحوثيين بموجب مصالح أمريكية إيرانية مشتركة تتعلق بملاحقة القاعدة حيث تكون. وقد جهد الأمريكيون في الحفاظ على علاقة مصلحية مع الإيرانيين حتى أن الرئيس الأمريكي أوباما علق على فوز أحمدي نجاد بالقول أن الانتخابات الإيرانية هي شأن داخلي، وأوكل مسألة الملف النووي لفرنسا على أن تتولى بريطانيا مسؤولية الملف الداخلي لإيران وهو ما حصل فعلا. وهذا لا يضير الإيرانيين الذين نجحوا على الأقل، ظرفيا، بتحييد الضغوط الأمريكية بما يكفي لجعل الضغوط الأوروبية ضدهم قليلة الفاعلية إن لم تكن معدومة ويسمح باستمرار المراوغة الإيرانية وكسب الوقت بتواطؤ أمريكي فاضح. وفي هذا السياق تأتي الهجمة الأمريكية على أفغانستان عبر زيادة القوات إلى أقصى مدى ممكن، وإذلال الجيش الباكستاني عبر إخضاعه لشروط مهينة فيما يتعلق بالمساعدات الأمريكية المقدمة لباكستان، وفي نفس السياق يأتي بناء الجدار المصري العازل على غزة.

كلها سياسات أمريكية وقرارات أمريكية لا شأن للعرب والأمة فيها إلا الرضوخ التام بلا ثمن، وأيا كانت النتائج. وهذه حماقة لا مثيل لها في تاريخ الأمة قاطبة. وكم كان ملفتا للانتباه تلك المقابلة التي أجراها الصحفي اليمني عبد الإله الشائع مع فهد القصيع (24/12/2009) أحد المتهمين السابقين بتفجير المدمرة يو إس إس كول. ففي المقابلة سئل « قصيع» عن دور الضباط اليمنيين في التحقيق معه:

« س: هل كان التحقيق معك مباشرا أم عبر هؤلاء الضباط ؟
ج: كان مباشرا، رغم أن الرئيس كان يتكلم في الإعلام يومها بأنه لا يسمح للأميركيين بالتحقيق المباشر معنا لأن دستوره لا يسمح بذلك، وفي حقيقة الأمر كان المحققون الأميركيون يسألوننا مباشرة وجها لوجه والضباط اليمنيون مستمعون فقط».

هذه هي الحقيقة! فما يجري في اليمن هو عينه ما يجري في الضفة الغربية من سحب للسلطة وخاصة للملف الأمني ووضعه تحت الوصاية الأمريكية الإسرائيلية. وهو عين الأمر في باكستان وأفغانستان ومصر وغيرها. وهو عين ما يجري التحضير له في السودان. لكن من سوء حظ الضربات الجوية التي نفذتها طائرات الولايات المتحدة، بلا نتيجة تستحق المغامرة، أنها فضحت الدولة اليمنية، وكشفت أوراقها بسرعة فائقة. وهذا من شأنه أن يسهل على القاعدة تعيين سمت المواجهة القادمة، وربما يكسبها زيادة ملحوظة في شعبيتها مقابل خسارة حكومية وأمريكية مجلجلة. فمن يستطيع أن يتهم القاعدة بعد مذبحة أبين أنها تقتل المدنيين؟ ومن يستطيع أن يمنع الآلاف من مبايعتها؟ شيخ يغطي الشمس بغربال؟

د. أكرم حجازي

30 قتيلا في هجمات بالرمادي

حظر تجول بالمدينة ومحافظ الأنبار بين المصابين





التفجيران خلفا العديد من القتلى في صفوف الشرطة (رويترز)

فرضت السلطات العراقية حظر التجول في مدينة الرمادي غرب بغداد بعد مقتل 30 شخصا بينهم المسؤول الأمني لمحافظة الأنبار وجرح عشرات آخرين بينهم المحافظ في تفجيرين مزدوج هزا المدينة صباح اليوم.

وقالت الشرطة العراقية إن التفجير الأول كان بسيارة ملغمة واستهدف المجمع الحكومي الذي يضم مجلس المحافظة وقيادة شرطة الأنبار، بينما استهدف التفجير الثاني الذي نفذه مهاجم يرتدي حزاما ناسفا قيادات المحافظة والقيادات الأمنية من بينها محافظ الأنبار قاسم محمد ونائب رئيس شرطة المحافظة بعد تجمعها قرب موقع التفجير الأول.

وقال متحدث باسم شرطة الرمادي إن معاون مدير شرطة المحافظة والعديد من رجال الشرطة قتلوا في التفجيرين، في حين أصيب المحافظ ومسؤولون محليون آخرون الذين نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج. وانتشرت بعد الهجومين برك دماء وسيارات محترقة قرب مبنى المحافظة المحصن جيدا.

وقالت قناة العراقية إن أحد المهاجمين كان حارسا شخصيا للمحافظ، ورجحت الشرطة أن يكون المحافظ هو المستهدف من أحد الهجومين.

وقال مدير مكتب رئيس مجلس محافظة الأنبار علي الحبلوسي للجزيرة إن حالة المحافظ مطمئنة, ورفض الإشارة إلى الجهة التي نقل إليها. كما قال إن الكل مستهدف في العراق, معتبرا أن هدف التفجيرات هو إعاقة عملية الاستثمار التي قال إنها بدأت تنمو في الأنبار.

وقال متحدث عسكري أميركي إن قيادة محافظة الأنبار طلبت الدعم من القوات الأميركية عقب التفجيرين، مشيرا إلى أن هذه القوات سارعت لإخلاء الجرحى وبدء التحقيق في ملابسات التفجيرين. ولم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن هذين التفجيرين.

تطورات أخرى
وفي محافظة ديالى شمال شرق بغداد قتل سبعة أشخاص وجرح عشرون في انفجار قنبلة استهدف موكبا للشيعة في منطقة الخالص.

وفي بغداد انفجرت سيارة مفخخة في حي المهندسين قرب وزارة الداخلية العراقية شرقي المدينة.

وبحسب مصدر أمني فإن السيارة المفخخة كانت متوقفة في مرآب للسيارات قرب مبنى وزارة الداخلية عندما انفجرت، لافتا إلى أن الانفجار أسفر عن إلحاق أضرار في 15 سيارة من دون أن يبلغ بوقوع خسائر بشرية.


أوباما يقر بعجز الأنظمة الأمنية والاستخبارية الأمريكية في مواجهة القاعدة


قال الرئيس الامريكي باراك اوباما إنه من الواضح بأن خللا في انظمة الامن والاستخبارات قد سمح لشخص معروف بتطرفه ومزود بمواد متفجرة ان يستقل طائرة متوجهة الى الولايات المتحدة في الاسبوع الماضي.

وقال الرئيس اوباما إنه يعتبر هذا الخلل امرا "لا يمكن قبوله بالمرة."

واضاف بأن على الولايات المتحدة استيعاب الدروس من هذه الحادثة الاسراع في اصلاح مكامن الخلل.

يذكر ان النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب كان قد حاول اضرام النار في الطائرة باستخدام مواد حارقة اخفاها في ملابسه الداخلية، الا ان محاولته باءت بالفشل بعد ان تدخل الركاب وطاقم الطائرة.

قال مسؤولان امريكيان إن الحكومة الامريكية تلقت معلومات من اليمن قبل يوم الجمعة الماضي تفيد بأن قادة تنظيم القاعدة في اليمن كانوا يتحدثون عن اعداد "نيجيري" لتنفيذ مهمة ارهابية.

واضاف المسؤولان انه بالرغم من خلو هذه المعلومات من اسم المنفذ، كان امر اكتشافه يسيرا لو قورنت بالمعلومات المتوفرة عن عمر فاروق عبدالمطلب، الشاب النيجيري المتهم بمحاولة تدمير طائرة الركاب يوم عيد الميلاد.

وقال الرئيس الامريكي في تصريح شديد اللهجة إنه طلب الاطلاع يوم الخميس المقبل على النتائج الاولية للتحقيق في الحادث، كما طلب بأن يوافى بالنتائج التفصيلية في غضون الاسابيع القليلة المقبلة.

وقال في التصريح الذي نقلته شبكات التلفزيون إنه رغب بالتحدث الى الشعب الامريكي لأن بعض المعلومات الاولية عن الحادثة قد اثارت مخاوف جدية.

ومضى للقول: "لقد اصبح معلوما على نطاق واسع بأن والد المشتبه به في حادثة يوم عيد الميلاد كان قد حذر المسؤولين الامريكيين في افريقيا من ميول ابنه المتطرفة.

وتبين لنا بأن هذه المعلومة قد وصلت الى احدى اجهزتنا الاستخبارية منذ عدة اسابيع، الا انها لم توزع بشكل فعال ولذا لم يدرج اسم المشتبه به في قائمة الممنوعين من الطيران."

وقال: "عندما تكون في حوزة حكومتنا معلومات عن متطرف معروف الميول، ولا يتم توزيع هذه المعلومات على كافة الاجهزة المعنية بحيث يتمكن ذلك الشخص من ان يستقل طائرة بمعية كمية من المواد المتفجرة الخطرة التي كادت ان تودي بحياة 300 شخص تقريبا، فهذا يعني ان خللا بنيويا قد وقع."

وقال الرئيس اوباما: "يجب ان نتعلم من هذه الحادثة وان نسرع في اصلاح مواطن الخلل في انظمتنا الاستخبارية."

ويعتبر هذا ثاني تصريح يدلي به الرئيس الامريكي حول الحادث في بحر اليومين الماضيين.

ويتعرض الرئيس الامريكي لانتقادات متزايدة بسبب تلكؤه في الرد على العملية الفاشلة بشكل اسرع واقوى.

وقد شرع معارضو الرئيس اوباما في استخدام المحاولة كقضية سياسية الغرض منها اظهاره وكأنه متقاعس في الدفاع عن الامن الوطني الامريكي.

ويتعين على الرئيس الآن الرد على الاسئلة التي بدأ معارضوه بتوجيهها حول نواياه الخاصة بالمعتقلين اليمنيين في سجن جوانتانامو (وعددهم يناهز الثمانين)، خاصة وان الكثيرين منهم متهمون بالانتماء الى تنظيم القاعدة.

وكان وزير الخارجية اليمني قد قال في وقت سابق إن بلاده لم تحصل على الدعم الكافي من الغرب لجهودها في محاربة التنظيم المذكور.

وقال الوزير اليمني إن بين 200 الى 300 من اعضاء تنظيم القاعدة ينشطون في اليمن.

على صعيد آخر، نقلت شبكة سي ان ان الامريكية عن مصادر لم تشأ الكشف عن هويتها قولها إن مسؤولين امريكيين ويمنيين يبحثون الآن عن اهداف محتملة لضربات ربما يجري توجيهها لتنظيم القاعدة في اليمن ردا على محاولة تدمير الطائرة الامريكية.

في غضون ذلك، عبرت وزيرة الاعلام النيجيرية عن قلقها من احتمال استهداف المواطنين النيجيريين نتيجة المحاولة التي نفذها عمر فاروق عبدالمطلب.

وقالت الوزيرة دورا اكونيلي إنها لا تريد لتصرفات شخص واحد ان يضع البلاد باسرها في قفص الاتهام. 

المصدر : نبأ