الجمعة، 12 سبتمبر 2008

"تو ـ 160" وسيلة إقناع!


بقلم: إيليا كرامنيك، معلق "نوفوستي" العسكري

شكل ظهور القاذفتين الاستراتيجيتين الروسيتين "تو ـ 160" في قاعدة "ليبيرتادور" الجوية في فنزويلا، خطوة أخرى في ما يطلق عليه "الحرب الباردة الجديدة".

بالطبع، من الممكن تفسير مثل هذا الإجراء بصورة مختلفة، إلا أن جوهره الحقيقي واحد ألا وهو استعراض القوة. وفي هذه الحالة يتعين على الولايات المتحدة التي تقوم بنشر منظومتها الأمنية في أوروبا الشرقية، التفكير مليا بخطورة ظهور طائرات الخصم المحتمل الحربية على مقربة جغرافية من الأراضي الامريكية. كما ستمخر عباب مياه فنزويلا في القريب سفن حربية روسية، إذ في نية أسطولي البلدين البحريين الحربيين إجراء مناورات مشتركة.

وبدأت مثل هذه الألاعيب ليس بالأمس، وإنما منذ القرن التاسع عشر، عندما نشأت مواجهة عالمية بين روسيا والإمبراطورية البريطانية. فقد استخدم الطرفان سفنهما "لاستعراض العلم" في المناطق الأساسية، عارضا كل منهما للخصم المحتمل الاستعداد للدفاع عن مصالحه، والقدرة على القيام بذلك.

ومن الممكن تقييم ظهور القاذفتين الثقيلتين الروسيتين في منطقة الكاريبي من مختلف وجهات النظر.

فمن المفروض أن تذكر هذه الخطوة الولايات المتحدة، من وجهة النظر الجيوسياسية، بضرورة التوفيق بين إجراءاتها ورأي البلدان الأخرى. فإذا كانت الولايات المتحدة تنشر منشآت عسكرية جديدة وجديدة عند حدود روسيا، فمن الغريب توقع أن هذه الإجراءات لن تتمخض عن رد مكافئ، وإن ظهور "تو ـ 160" القادرة على حمل عتاد نووي كثير، يدل على إمكانية مثل هذا الرد بالذات.

ومن وجهة النظر العسكرية، فإن توجه الطائرتين الروسيتين إلى فنزويلا بحد ذاته ليس حالة خارقة، إلا أن إمكانية ظهورها الدوري في المنطقة يجب أن يرغم الولايات المتحدة على التفكير بنقاط ضعفها. فإن قوى الدفاع الجوي والدرع الصاروخي الأمريكية الأساسية موجهة تاريخيا على الاتجاه القطبي، إذ تمتد هناك بالذات، فوق المحيط المتجمد الشمالي المسارات الأساسية للضربات النووية المحتملة. ونتيجة كون الاتجاه الجنوبي غير مستور بما فيه الكفاية، سيكون الخطر المحتمل من جانب البحر الكاريبي وخليج المكسيك مفاجأة سيئة للغاية، مراعاة لميزانية البنتاغون المتوترة أصلا.

وبالتالي، فإن إدراك عدم جدوى محاولات عزل روسيا عن طريق توسيع الناتو ونشر الدرع الصاروخي (بمعنى أن موسكو ستجد الرد العسكري المكافئ)، من المفروض أن يقود الولايات المتحدة إلى التفكير بضرورة التوصل إلى حل وسط.

ومع ذلك، بوسع عقلية "الهيمنة" لدى العديد من السياسيين الأمريكان، بمن فيهم جون ماكين، أحد المرشحين لمنصب الرئاسة الأمريكية، إعاقة التوصل إلى حل وسط. فإن القناعة المطلقة في صحة الرأي الخاص، وعدم الرغبة في تقبل موقف الطرف الآخر يشكلان سبيلا مثاليا لتصعيد الوضع المتأزم. بالطبع، في حالة فوز ماكين في انتخابات الرئاسة، من المستبعد أن يشعل حربا عالمية ثالثة، ولكن المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة قد تصل إلى صيغ الستينات والثمانينات المضنية، بتحولها إلى مواجهة عسكرية مباشرة مثقلة بالأزمة الاقتصادية العالمية.

وترفض روسيا في نفس الوقت، الوضع الراهن، عندما يجري بناء صرح الأمن الأوروبي بدونها، وبصورة أساسية ضدها، وعلاوة على ذلك، وفق مخططات بلد يقع خارج القارة الأوروبية.

ويتطلب أمن روسيا ومواطنيها مراعاة رأي موسكو في هذه القضية. ويتعين على الولايات المتحدة إما الاعتراف بحق روسيا في إبداء رأيها لدى حل قضايا أمن أوروبا، وإما مواجهة أساليب إقناع أخرى تماما. ويجدر التذكير هنا، بأنه من أجل سحب الصواريخ الأمريكية من تركيا في وقتها (في مطلع الستينات تحديدا)، أقدم الاتحاد السوفيتي على إشعال أزمة الكاريبي. وبقيت الصواريخ السوفيتية في كوبا فترة قصيرة، ولكن الهدف تحقق، إذ أن الولايات المتحدة باستيعابها درجة الخطر، سحبت صواريخها من الحدود السوفيتية.

وبالمناسبة، إن العيش في عالم، حيث يقنع كل من الدول العظمى الأخرى بالتفكير بالأمن الجماعي بواسطة الوسائل النووية الحرارية، غير مريح على الإطلاق. وبودنا التعويل على أن التحليق الاستعراضي "لتو ـ 160" مع رحلة عمارة السفن الحربية، سيكون كافيا لتفكير الولايات المتحدة مليا بثمن القضية المحتمل.

ليست هناك تعليقات: