الجمعة، 5 سبتمبر 2008

أذربيجان تدير ظهرها للولايات المتحدة

بقلم حبيب فوعاني

لعل ديك تشيني عندما خطط لزيارته الأولى إلى جنوب القوقاز كان يعول على استقبال حار من جانب الرئيس الأذربيجاني، لاسيما وأن علاقات صداقة طيبة تربطه بإلهام علييف منذ أن عمل نائب الرئيس الأميركي في مجموعة هاليبورتون النفطية الأميركية وكان علييف آنذاك نائبا لرئيس شركة النفط الأذربيجانية الحكومية "سوكار".

من جانبها، مهدت السفيرة الأميركية لدى أذربيجان آن ديرسي، للزيارة بالقول إنها ستعزز التعاون الإستراتيجي مع باكو. وهذا يعني وفقا لواشنطن التصدير المضمون للنفط والغاز، ودون المرور بالأراضي الروسية، إلى أوروبا من حوض بحر قزوين، حيث سيبلغ حجم استخراج النفط عام 2009 مستوى 60 مليون طن، ما يعادل 1% من حجم الاستخراج العالمي، و20 مليار متر مكعب من الغاز في العام، يتم نقلهما إلى الأسواق العالمية بخطوط أنابيب وسكك حديد تمر عبر أراضي أذربيجان وجورجيا. لكن المراقبين، الذين لاحظوا عدم استقبال علييف أو رئيس الوزراء الأذربيجاني أرتور راسي زاده للضيف الأميركي الرفيع في مطار باكو أدركوا على الفور أن الزيارة ستتخذ منحى آخر.

وبالفعل، وكما تؤكد مصادر صحيفة "كوميرسانت" الروسية، فإن الرئيس الأذربيجاني لم يستعجل للقاء نائب الرئيس الأميركي، الذي اضطر إلى تمضية الوقت الضائع بإجراء مباحثات مع ممثلي "بريتش بتروليوم-أذربيجان" وشركة الغاز والنفط الأميركية "شيفرون تكساكو"، وكذلك بزيارة السفارة الأميركية في أذربيجان، ولم يتمكن تشيني من مقابلة علييف إلا في المساء.

وكان الموضوع الأول وفقا للبيانات الرسمية في مباحثات تشيني مع علييف، مناقشة الوضع حول أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا واعتراف موسكو باستقلال تسخينفال وسوخوم. أما الموضوع الثاني فكان أمن ممر عبور الطاقة من حوض قزوين وآسيا الوسطى إلى أوروبا.

وتؤكد الصحيفة أن نتائج المباحثات أثارت استياء تشيني بحيث امتنع عن حضور حفل عشاء رسمي أقيم على شرفه.

يجب القول إن باكو سعت بحماس في السنوات الأخيرة في ظل علييف الابن للصداقة مع الغرب والتعاون مع حلف شمال الأطلسي، وأبدت اهتماما ملحوظا بإنشاء ممرات على أراضيها لنقل النفط والغاز من بحر قزوين إلى الغرب دون المرور بروسيا.

وشاركت أذربيجان في مد خط أنابيب "باكو- تبليسي- جيهان" الذي وصفه الكرملين بأنه مشروع معاد لروسيا.

وكان من المقرر أن يباشر اتحاد من ست شركات في العام المقبل تنفيذ مشروع آخر مغيظ لموسكو يبدأ من الأراضي الأذربيجانية، وبكلفة تناهز اثني عشر مليار دولار، وهو خط أنابيب "نابوكو"، الذي يهدف إلى نقل الغاز من تركمانيا وأذربيجان في حوض بحر قزوين عبر جورجيا وتركيا وبلغاريا إلى النمسا في وسط أوروبا وعلى امتداد 3300 كلم دون المرور بالأراضي الروسية.

غير أن علييف أفهم تشيني أن باكو وعلى الرغم من تثمينها لعلاقاتها مع واشنطن فإنها لا تنوي الخصام مع موسكو، ولن تساند فكرة تحويل وجهة نقل المحروقات بعيدا عن الأراضي الروسية، ولن تستعجل في تنفيذ مشروع خط أنابيب "نابوكو".

ويبدو أن براهين تشيني "الدامغة" لإقناع باكو بمتابعة المشاركة في مشروعات الطاقة الغربية والتريث بالتفاهم مع موسكو لم تقنع الأذربيجانيين. ولم يقنعهم أيضا التلويح بإقامة قواعد عسكرية للولايات المتحدة أو للناتو في أذربيجان، التي تحدث عنها الخبير السياسي الأذربيجاني راسم موسابيكوف عشية الزيارة. إذ إن زلزال حرب الأيام الخمسة في جنوب القوقاز غير المعادلات الجيوسياسية في المنطقة وأفزع باكو.

ويعتقد الساسة والمحللون الأذريون الآن، وحتى الذين كانوا يتغنون منهم بالغرب، أن تبليسي دفعت ثمنا غاليا لطموحاتها للانضمام للناتو ولصداقتها مع واشنطن. وهم يحذرون من أن باكو قد تدفع الثمن نفسه لتعاونها مع الغرب.

ويقلق أذربيجان أيضا أن الصداقة مع واشنطن لم تحم نظام الرئيس الجورجي ميخائيل سآكاشفيلي من الهزيمة بعد عدوانه العسكري على أوسيتيا الجنوبية.

وإضافة إلى ذلك، فإن أذربيجان لا تستطيع أيضا السماح لنفسها بتدهور العلاقات مع جارتها إيران.

ويرى المراقبون باكو ستعود من الآن فصاعدا إلى انتهاج سياسة حيدر علييف والد الرئيس الأذربيجاني الحالي الحذرة على الصعيد الدولي.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

ليست هناك تعليقات: