الجمعة، 5 سبتمبر 2008

قمة دمشق - باريس و«الرباعية» وسياسة الممكن


شارل كاملة- جريدة تشرين

خاص لوكالة نوفوستي

تحول الزيارة الرئاسية الفرنسية الأولى منذ ست سنوات إلى دمشق من قمة ثنائية إلى قمة رباعية «الرئيس بشار الأسد والفرنسي نيكولا ساركوزي - وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان» ينطوي على غير دلالة رغم استبعاد مطلق لأفكار تستدعي شبهة ولادة محور إقليمي.

صحيح أن قمة دمشق جمعت قادة أربعة تجمعات دولية مهمة في وقت واحد ومكان واحد ساركوزي الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي والرئيس الأسد رئيس القمة العربية وأمير قطر الرئيس الدوري لمجلس التعاون الخليجي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي تؤدي بلاده دوراً محورياً في تقاطع أزمات تمتد جغرافياً إلى ربع مساحة الأرض من لبنان والعراق إلى جورجيا والمحادثات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل وصولاً إلى مسألة إقليم دارفور السوداني. وليس انتهاء بملف إيران النووي.

لكن الصحيح أيضاً أن ما تم التطرّق إليه قد يتجاوز مقدرة كل طرف أو الأطراف كافة في إيجاد مخارج لأزمات تعصف بالعالم بأبعاده كلها ما يلزمه توافق دولي جامع يدعم هذا الحراك الإقليمي ويعزز نتائجه بإرادة دولية صادقة في توجهاتها بعيدة عن المصالح التي جعلت حرب الموارد تستحوذ على كل سطح الأرض وهنا بيت القصيد في جملة العراقيل التي تحد من التفاؤل في بلورة الحلول السريعة والناجعة لمعضلات المنطقة والعالم معاً.

بحث قادة أعضاء القمة في كل هذه المواضيع وكلّ عبّر عن اهتمامه ومن موقعه، لكن الكل كان متفقاً على أن القاسم المشترك لكل هذه العناوين هو الاستقرار والبحث عن حلول عبر حوار ما يعني التأكيد على نبذ العنف ورفض الحروب لفرض الإرادات، وهذا بدوره كان يجسد موقفاً سورياً بالأساس واكبه تأكيد أطراف القمة على أن يلعب كل طرف ما بوسعه الدور المنوط به لتكريس عالم خال من الحروب والأسلحة النووية ورفض التفرد بالاستحواذ على القرار الدولي.

غاية القول إن القمة الرباعية جاءت لتؤكد على نتائج قمة الأسد - ساركوزي ودعمها أي أن الأساس كان القمة السورية الفرنسية التي جاءت في ظرف دولي استثنائي في خطورته واستثنائي في تفاعلاته التي تشمل معظم ساكني هذا الكوكب.

ونتائج القمة تتحدث عن ذلك خاصة حين التأكيد على أن النقاش كان صريحاً جداً ولم تترك القمة أي موضوع إلا وتطرّقت إليه الدولية منها والإقليمية والتي شكل التعاطي معها توافقاً في معظم الأحيان واختلافاً وخلافاً لا يفسدان للود الذي انطلق قضية. وتمثلت بمحاور عدة يتقدمها الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط والمفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل والمرحلة التي وصلت إليها وآفاقها، والدور الفرنسي خصوصاً الذي طالبت به سورية على الدوام والدور الأوروبي عموماً لدعم سبل التوصل إلى السلام المنشود والاستقرار، من منطلق أن أي استقرار وسلام في المنطقة سيطال تأثيره ليس أوروبا فقط بل والعالم بأسره والعكس صحيح، ولم تخل القمة الثنائية والرباعية على السواء من النقاش المتقدم حول الأزمة المشتعلة في القوقاز والتي لا تقل تأثيراتها وامتداداتها الجغرافية عن أزمة الشرق الأوسط رغم الاختلاف في مواقف الأطراف عند هذه الأزمة.

إذن وبحسبة بسيطة لحراكات القمتين الثنائية والرباعية نلحظ أن أربعة محاور رئيسية كانت تتقدم جدول أعمالها وهي شكلت أسساً ومبادئ تعتبر المؤشر الحقيقي للحقبة القادمة من التواصل أولاً بين دمشق وباريس وحراكاً مواكباً من العواصم الأخرى أنقرة والدوحة وللحقيقة نقول إن هذه العناوين والأسس كانت ولا تزال تمثل منهجية السياسة السورية وثوابت القيادة فيها.

والمنطلق في كل ذلك أن الحوار والتفاهم كما تراهما سورية هما الأسلوب الأفضل والأنجح لحل كل القضايا في المنطقة وغيرها الذي يأتي في الوقت نفسه نقيض أسلوب التعنت والعنف والصدام الذي اتبعه الآخرون وأثبتت التجارب السابقة فشله وثقل مآسيه ابتداء من فلسطين مروراً بالعراق وأفغانستان وانتهاء بأزمة القوقاز والحرب التي شنتها جورجيا على أوسيتيا الجنوبية والبصمة الأميركية فيها وصولاً إلى الملف النووي الإيراني.

المحور الآخر الأكثر أهمية وتم التركيز عليه في القمتين هو التعاون ومن منطلق أن تاريخ العلاقات الدولية يشهد أن ما تواجهه الدول والحكومات من أزمات ومشكلات ونزاعات لا يمكن حلها والتغلب عليها إلا بالتعاون والتنسيق وتضافر الجهود خاصة أن العالم يقف على أعتاب الكثير من الأزمات التي قد تتحول في حال تجاهلها إلى كوارث تهدد وجوده وبقاءه كأزمة الغذاء والطاقة والمياه والمناخ وغيره.

والعنوان الثالث هنا وهو نتيجة لكل ما سبق (السلام) الذي تكمن أهميته من كونه نقيض الحرب والعدوان والدمار، فشعوب المنطقة كلها شعوب مسالمة ترفض الحروب وتنبذ العدوان والظلم والاحتلال في حين أن الطرف الآخر إسرائيل بدعم أميركي ترفعه شعاراً دائماً لها في تعاملها مع الدول العربية منذ إنشائها ككيان غاصب ودخيل ولم يقتصر مفاعيلها على هذه المنطقة بدليل تورطها المؤكد على خط الأزمة الجورجية الروسية وعلى جبهة جورجيا بالتحديد حيث تأكدت القيادة الروسية من ذلك عبر تواجد أسلحة إسرائيلية متطورة لعبت دوراً محرضاً سياسياً وعسكرياً بتأجيج أزمة القوقاز ووصولها إلى مرحلة الانفجار.

وبناء عليه وانطلاقاً من هذه العناوين والمبادئ فإن النجاح الذي حققته القمتان الثنائية والرباعية من المنتظر ظهوره جلياً خلال الفترة القريبة القادمة سيما وأن القادة الأربعة يتمتعون بوزن كبير على الساحة الإقليمية والدولية ولهم اتصالاتهم ومصالح بلادهم في المقدمة.

صحيح أن الدعوة التي وجهها الرئيس الأسد لعودة الدور الأوروبي بعد غياب سنوات من خلال الدينامية الجديدة لفرنسا في المنطقة ومناطق أخرى في العالم هي دعوة في محلها توقيتاً ومكانة، لكن تلك الدعوة لم تكن بديلاً عن قوى كبرى تلعب الدور نفسه إن لم يكن أكبر منه على الساحة الدولية ما يعني أن الدعوة لتفعيل الدور الأوروبي تأتي متزامنة مع الدعوة لتكامل جهود كافة الأطراف للعب الدور المنوط بمسؤولياتها العالمية حيال السلام والاستقرار العالميين، في وقت يعاني السلام والاستقرار أزمة حقيقية في بنيتهما، نتيجة سياسة الهيمنة والتسلط والقوة التي تنهجها الإدارة الأميركية والتي ضربت عرض الحائط بكل القوانين الدويلة والشرائح الإنسانية.

في الشق الثنائي، أي العلاقات الفرنسية السورية ثمة نجاح بات يلوح في الأفق لكن ماذا عن الشق السياسي؟ هل نجحت القمتان في إحداث ما تطمح إليه الأطراف كافة وكل على موقفه الخلافي، رغم محطات التوافق الكثيرة.

بالتأكيد ثمة نية لتواصل المشاورات وبذات الزخم لإيجاد المخارج لأزمات المنطقة التي تولّد من الأزمات ما لا يستطيع العالم تحمله، فهل حقق ساركوزي هدفه غير المعلن والذي تعهد به للطرف للأميركي مع إسرائيل بأن يسعى لأن تدير سورية ظهرها لإيران، بالتأكيد هنا لم ينجح وإغراءات الوعود الاقتصادية لن تجدي نفعاً ما دام المشروع الأميركي حيال المنطقة لايزال منصوباً بمخاطره وأهدافه وحتى في مجال المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل هل استطاع ساركوزي أن يحقق حلمه بأن تصبح مباشرة في وقت كان موقف دمشق واضحاً حيال أي لقاء مباشر وأقله رعاية دولية من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وهذا صعب اليوم في الوقت المستقطع من عمر الإدارة الأميركية الحالية والتي أصلاً لم يكن السلام في قاموسها منذ وصولها إلى البيت الأبيض قبل ثماني سنوات.

فرنسا اليوم بسياستها الواقعية تبنت الحوار وهنا تكمن مصلحة سورية ومعها العالم كله باستثناء من رفضوا الحوار ولازالوا يرفضونه والمطلوب اليوم أن يكون لسورية هذا التنوع في العلاقات وهذا ما حصل ويحصل وإذا كان الحوار السوري الفرنسي حول كيفية توحيد الرؤية لحل القضايا ليست الإقليمية فقط بل والدولية فإن ما بدأت سورية تلعبه من دور بفعل ذكاء سياستها ودبلوماسيتها قد تجاوز حدود الإقليمية وصولاً إلى ما باتت عليه من محورية في العلاقات الدولية. فالمتغيرات على الساحة الدولية وعودة شبيهة لأجواء الحرب الباردة وارتباك المعسكر الغربي تجاه أزمة جورجيا كلها عوامل صبت في تعزيز الموقف السوري في مواجهة خصومه وجعلت من دمشق ورقة صعبة في النظام العالمي الجديد الذي يتطور بسرعة حالياً وستكون له انعكاساته القريبة على المنطقة والعالم.

فإذا كانت القمة الثنائية وبعدها الرباعية هي أول انعكاسات المتغيرات الاستراتيجية الجديدة في المنطقة العربية بعد أزمة جورجيا وهزيمة المشروع الأميركي فإن ما خرجت به القمتان هو تأكيد على صوابية وعمق الموقف السوري وعلى مصداقية توجهاته وتحالفاته وعلى وجه التحديد تجاه الكثير من ملفات المنطقة والعالم.

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

ليست هناك تعليقات: