السبت، 11 أكتوبر 2008

واشنطن بوست: أهي نهاية الرأسمالية الأميركية؟




الناس يستغربون كيف بدت الولايات المتحدة هشة لهذا الحد (رويترز-أرشيف)

في واشنطن بوست, كتب أنتوني فاجولا مقالا حاول فيه توضيح ما يهدد نموذج الرأسمالية الأميركي في ظل خطط واشنطن للتدخل في الأسواق المالية بغية التصدي للأزمة الخطيرة التي تعصف بها, وبين كيف أن واشنطن التي ظلت دائما تحذر الحكومات من التدخل في السوق هي الآن من يمارس ذلك على أعلى المستويات.

وهذا نص المقال:
النموذج الرأسمالي الأميركي يقع ضحية أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير.

فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي, والمصارف الأميركية تحمل لواء الاقتصاد الأميركي المبني على النظام المالي الرهيب للسوق الحرة، وظلت الولايات المتحدة تتوقع منافسة الآخرين من خلال هذا النظام، بل وتشجعها.

لكن اضطراب السوق الذي بدأ يستنزف ثروة البلد، وكاد يقضي على وول ستريت يهدد الآن بوضع المصارف, وهي القلب النابض للنظام المالي الأميركي, وإن جزئيا في يد الحكومة.

فالإدارة الأميركية تأخذ الآن بعين الاعتبار التأميم الجزئي لبعض المصارف, عبر شراء نصيب من أسهمها كي تعيد إليها الثقة في إطار برنامج الإنقاذ المالي الذي يبلغ سبعمائة مليار دولار.

إلا أن مفهوم ملكية الدولة في القطاع المالي, حتى وإن كانت مساهما ثانويا, يتعارض مع ما يعتبره منظرو السوق الحرة الأساس الذي يقوم عليه النظام المالي الأميركي.

ومع ذلك فالحكومة الأميركية قد تجد نفسها مضطرة لهذا الإجراء لغياب أي خيار آخر, فالائتمان الذي هو شريان حياة الرأسمالية, توقف عن الجريان, ولا يمكن لاقتصاد يعتمد على السوق الحرة أن يظل مستمرا بتلك الطريقة.

لكن التغير المفاجئ في موقف الحكومة يذهب أبعد من مجرد إنقاذ الصناعة المصرفية، فهي تريد فرض نفسها من جديد بالتدخل في حياة المواطنين بشكل لم يكن ليخطر على بال أحد إبان فترة الاعتقاد بأن "السوق أدرى من غيرها".

وباستحواذها مؤخرا على شركتي الإقراض فاني ماي وفريدي ماك وإنقاذها المالي لشركة أي آي جي أصبحت الحكومة الأميركية من الناحية الفعلية, هي المسؤولة عن ضمان الرهن العقاري والتأمين على الحياة لعشرات الملايين من الأميركيين, وأصبح عدد كبير من الاقتصاديين يتساءل عما إذا كانت لا تزال هناك سوق حرة إذا كانت الحكومة قد انغمست بمثل هذا العمق في النظام المالي.

وبما أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها أنموذج الاقتصاد العالمي, فإن هذا التغير في تعاملها مع أسواقها قد يدفع حكومات أخرى عبر العالم إلى تغيير كيفية تعاملها مع التجارة الحرة.

ففي العقود الثلاثة الماضية ظلت الولايات المتحدة تقود "حملة صليبية" لإقناع غالبية دول العالم, خاصة السائرة منها في طريق النمو, برفع يد حكوماتها عن المال والصناعة.

لكن الأنموذج الأميركي للرأسمالية القائم على عدم تدخل الحكومة في السوق هو الذي ينحى عليه حاليا باللائمة في قضية القروض الميسرة التي أفزعت سوق العقارات وأضرت به، وجعلت العجلة المطلقة لوول ستريت تنتج بركة من الاستثمارات السامة لوثت بجراثيمها النظام المالي العالمي.

والتدخل الحكومي الكبير جراء هذه الأزمة, حسب النقاد, سلب واشنطن أكثر فأكثر السلطة الأخلاقية على نشر إنجيل الرأسمالية غير المقيدة.

ويمكن أن تدشن الحكومة الأميركية برنامجا محددا تراهن من خلاله على أخذ نصيب ثانوي في المصارف المضطربة, أو تنفذ برنامجا أوسع يستهدف النظام المصرفي الأوسع.

وفي كلتا الحالتين يمكن أن ينظر إلى هذه الخطوة بوصفها دليلا على أن واشنطن لا تزال أسيرة وول ستريت, فيمكن للخطة مثلا أن لا تجبر بعض الشركات المشاركة على منح مديريها التنفيذيين الأجور المقلصة التي طالب بها الكونغرس, لكن إذا لم تنجح هذه الخطة فربما تضطر الحكومة لرهان مالي أكبر.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغلتز: "كان الناس عبر العالم يبدون إعجابهم باقتصادنا, وكنا نقول لهم: إن كنتم تريدون أن تكونوا مثلنا فما عليكم إلا أن تسلموا السلطة للسوق.

أما الآن فالمسألة هي أنه لم يعد هناك أي أحد يحترم هذا النموذج بسبب الأزمة الحالية, كما أن الوضع الحالي يدعو للتشكيك في مصداقيتنا, فكل أحد يحس بأنه يعاني حاليا بسببنا".

ففي سيول يرى الكثيرون في الأزمة الأميركية الحالية خطرا عظيما, وفي الوقت ذاته تتزايد النقمة لدى الكوريين بسبب انتشار آثار الأزمة المالية الأميركية عبر العالم, مما تسبب في انخفاض حاد لقيمة العملة الكورية "وون" في ظل صراع الشركات من أجل اقتناء الدولار في خضم تأجج أزمة الائتمان المالي العالمية.

ويشبه وزير المالية الكوري الجنوبي كانغ مان سو الصناديق االمشتقة والوقائية بقمار الكازينو, مضيفا أن كثيرا من الكوريين يستغربون كيف بدت الولايات المتحدة هشة لهذا الحد.

ولو استثيننا عددا قليلا من رؤساء الدول وبعض العناوين الدونكيشوتية لما عثرنا على أحد يتحدث عن موت الرأسمالية, فتطبيق نظريات السوق الحرة ساعد في العقود الأخيرة على انتشال مئات الملايين من الناس, خاصة في آسيا, من بين براثين الفقر.

"
يتزايد الامتعاض والاستياء من النموذج الرأسمالي الأميركي في مقابل النموذج الألماني, لازدراء الأول بالأنظمة وتمجيده للمخاطرة
"
ويتزايد الامتعاض والاستياء من النموذج الرأسمالي الأميركي, في مقابل النموذج الألماني مثلا, لازدرائه بالأنظمة وتمجيده للمخاطرة.

ففي كوريا الجنوبية أدى تزايد انتقاد التصاق الحكومة بالنموذج الأميركي إلى زيادة المعارضة لخصخصة بنك التنمية الكوري الضخم الذي تمتلكه الحكومة.

وكوريا الجنوبية هي إحدى الدول التي استفادت أكثر من غيرها من مزايا السوق الحرة, حيث استطاعت أن تخرج نفسها من رماد الحرب الكورية وتصبح إحدى أكبر اقتصاديات العالم, واستطاعت أن تميز نفسها عن كوريا الشمالية التي بقيت دولة فقيرة في قبضة نظام شيوعي بال وقيادة استبدادية.

لكن تداعيات الأزمة المالية التي بدأت في الولايات المتحدة أصبحت دولية, ففي بريطانيا -التي انضمت رئيسة وزرائها مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي إلى الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان للدعاية لمزايا الرأسمالية- اتخذت الحكومة هذا الأسبوع خطوات للتأميم الجزئي لنظام البلاد البنكي المترنح.

وفي الجانب الآخر من بحر المانش بدأ الزعماء الأوروبيون, وبزعامة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يطالبون بقانون دولي واسع جديد لفرض الرقابة على الأسواق المالية العالمية.

هذه الدعوات وجدت صداها حتى عند صندوق النقد الدولي الذي كان يتصدر المروجين للسوق الحرة في ما وراء البحار، والذي كان يؤكد خلال أزمة الأسواق الآسيوية والأميركية اللاتينية في تسعينيات القرن الماضي أن "التقليل من تدخل الإدارة في الأسواق هو ذاته الإدارة الجيدة", وها هو الآن نفس الصندوق يتحدث عن الحاجة إلى التنظيم والمراقبة.

وهذا ما عكسه قول مديره العام دومينيك ستراوس كان قبل يومين: "من البديهي أن الأزمة الحالية ناتجة عن فشل ذريع في التنظيم والإشراف في الدول المتقدمة... وفشل في آليات انضباط السوق".

ففي عرض قدمه أول أمس قال ستراوس كان إن دولا في أفريقيا, وأكثرها من التي لديها أخفض نسب اندماج وانفتاح مالي, يتوقع أن تشهد أقل قدر من التأثر بالزعزعة المالية الحالية.

وبعد كلام ستراوس كان بقليل وجه صحفيون سؤالا لرئيس البنك الدولي روبرت زوليك حول "الإرباك" الذي ينتاب العالم المتطور فيما يتعلق بالاستمرار في تطبيق أنموذج السوق الحرة أو التخلي عنه.

زوليك رد بالقول: "أعتقد أن الناس في الدول السائرة في طريق النمو وكذلك تلك المتقدمة مرتبكون بسبب الأحداث الحالية المروعة".

ففي غالبية الدول النامية لا تزال الأنظمة المالية تدار بشكل شبه كلي من طرف الحكومات, رغم الضغوط التي مارستها واشنطن على تلك الدول لحملها على تحويل النفوذ إلى القطاع الخاص وخلق أسواق مالية أكثر حرية, وقد يستمر هذا الوضع لفترة في المستقبل.

وقد قاومت الصين دعوات واشنطن ووول ستريت لإدخال سلسلة واسعة من الاستثمارات الغريبة, تشمل عددا كبيرا من المنتجات المشتقة التي كانت جذابة آنذاك وهي الآن التي يلقى عليها اللوم في تضخيم الأزمة في الغرب, وفي الأسابيع الأخيرة أوضحت بكين ذلك الموقف, قائلة إن ذلك سيمنع أدواتها المالية المعقدة من التوسع.

ومع دفع الحكومة الأميركية حاليا نحو التدخل في الأسواق وبحثها عن دور في تحديد الآليات والنظم الكفيلة بالتصدي للأزمة, يبدو المسرح, مؤقتا على الأقل, مرشحا لأنموذج أكثر تقييدا من التجارة الحرة, خاصة في الأسواق المالية.

"من ينظر إلى العالم حاليا يجد أن الصين تتقدم بشكل جيد على عكس الولايات المتحدة" كما يقول مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي سي فريد بيرغستن, ويضيف أننا قد "نشهد تراجعا عن العولمة في الأسواق المالية"

ليست هناك تعليقات: