الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

آثار الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد السعودي





د. خالد عبد الرحمن البسام - أستاذ مشارك في قسم الاقتصاد ـ جامعة الملك عبد العزيز -مستشار 14/10/1429هـ

من المؤكد أن تؤثر الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد العالمي برمته، فلم يعد هناك أي اقتصاد في منأى عن تأثير هذه الأزمة سواء أكان هذا التأثير مباشرا أو غير مباشر، يتوقف تأثير هذه الأزمة أو غيرها من الأزمات المالية أو الاقتصادية العالمية في أي اقتصاد على درجة انفتاح هذا الاقتصاد على الاقتصاد العالمي ومدى اندماجه فيه، وكذلك على الإجراءات والاحترازات التي تتخذها الدولة لتفادي تأثير هذه الأزمات أو على الأقل الحد من تأثيرها في اقتصادها.
يتمتع الاقتصاد السعودي بدرجة عالية من الانفتاح على الاقتصاد العالمي، حيث لا توجد قيود تذكر على حركة دخول السلع ورؤوس الأموال وخروجها من المملكة وإليها. كما أنه لا توجد قيود على المعاملات في سوق الصرف الأجنبي وتحويل العملات. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن نظام سعر صرف الريال يقوم على تثبيت شبه مطلق للريال بالنسبة للدولار، لذلك فإن هناك ارتباط قوي بين سعر الفائدة على الدولار وسعر الفائدة على الريال. كما أن اتباع نظام سعر الصرف الثابت في المملكة يترتب عليه أن ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاضه تجاه العملات الرئيسية يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الريال وانخفاضه في الاتجاه نفسه بالنسبة لهذه العملات. وبسبب الانخفاض المتواصل في سعر صرف الدولار وانخفاضه تجاه العملات الرئيسية منذ بداية عام 2001، شهد سعر صرف الريال انخفاضا متواصلا تجاه هذه العملات (وهي في الغالب عملات الشركاء التجاريين للمملكة)، الأمر الذي أسهم في خلق ضغوط تضخمية في المملكة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية زاد من انفتاح الاقتصاد السعودي، حيث أصبحت معظم أسواق وقطاعات الاقتصاد مفتوحة أمام المنافسة (الداخلية والخارجية) والاستثمار الأجنبي المباشر.
وباختصار يمكن القول إنه نتيجة لما يتمتع به الاقتصاد السعودي من درجة عالية من الانفتاح الاقتصادي فإن هناك الكثير من العوامل الخارجية النقدية والمالية مثل أسعار الفائدة الأجنبية وخاصة سعر الفائدة على الدولار، وتقلبات أسعار صرف العملات الرئيسية وخاصة تقلبات سعر صرف الدولار، والتضخم العالمي وأسعار البترول تؤثر في النشاط الاقتصادي والأسواق المالية والمستوى العام للأسعار في المملكة، وفي ضوء ما تقدم أعلاه فإنه لا بد من أن يكون لهذه الأزمة تأثير في الاقتصاد السعودي.

هل للأزمة تأثير في البنوك السعودية؟
قبل البدء بإلقاء الضوء على تأثير هذه الأزمة في الاقتصاد السعودي يجب الإشارة هنا إلى أنه في الآونة الأخيرة كثرة الإشاعات عن التأثير السلبي والقوي لهذه في البنوك السعودية إلى الحد الذي اعتقد فيه الكثير أن هذه البنوك ستواجه شحا في السيولة مما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. يمكن القول بكل ثقة إن هذه الإشاعات عارية من الصحة وبعيدة كل البعد عن الواقع الذي تعمل فيه البنوك السعودية.
إن القطاع البنكي السعودي يتمتع بدرجة عالية من السيولة، وهذا ما تؤكده معايير السيولة للبنوك السعودية، الأمر الذي يجعلها من بين أكثر البنوك في العالم تمتعاً بمستوى عال من السيولة. ومن المؤشرات التي تؤكد أن البنوك السعودية لا تعاني شحا في السيولة إنما العكس وفرة في السيولة، هو التوسع الكبير الذي تشهده البنوك السعودية في منح القروض، والنمو المتسارع في عرض النقود الذي يتكون بشكل رئيسي من الودائع لدى البنوك، إضافة إلى تنامي موجودات البنوك السعودية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي.
وللحد من توسع البنوك السعودية في منح القروض (التوسع في الائتمان)، سعت مؤسسة النقد أخيرا إلى امتصاص جزء من السيولة لدى البنوك السعودية للتخفيف من الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي، حيث ارتفع إصدار الحكومة السعودية من سندات الخزانة بأكثر من 340 في المائة منذ كانون الأول (ديسمبر)2007م.
أما الأمر الآخر الذي يؤكد أن ليس للأزمة الحالية تأثير مباشر في القطاع المصرفي السعودي، وإنما تتمتع بوضع سليم، هو أن نسبة الموجودات الأجنبية إلى إجمالي الموجودات للبنوك السعودية مجتمعة بلغت ما يقارب 12 في المائة في تموز (يوليو) 2008م، كما أن نسبة استثمارات البنوك السعودية في الخارج إلى إجمالي موجوداتها المحلية بلغت 6 في المائة في تموز (يوليو) 2008م . هذا يؤكد إلى أن معظم الأنشطة المالية والاستثمارية للبنوك السعودية توجه إلى داخل المملكة وذلك لمواكبة النمو المتسارع للأنشطة الاقتصادية في الاقتصاد السعودي منذ بداية العقد الحالي.
كما يمكن القول إن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مؤسسة النقد لحماية النظام المصرفي السعودي والمحافظة على مكانته التي منها الحد من الإقراض العشوائي (عدم التوسع العشوائي في الائتمان) وبعض الضوابط الأخرى لها أثر جيد في وقاية القطاع المصرفي السعودي من الصدمات وتحقيق الاستقرار المالي والمحافظة على توازن السيولة في هذا القطاع . هذا ما تؤكده المكانة المالية وكفاءة رأس المال التي لم تتعرض إلى آثار سلبية من جراء هذه الأزمة.

ما تأثير الأزمة الحالية على الاقتصاد الحقيقي للمملكة؟
يؤكد الاقتصاديون والمحللون أن هناك شواهد لركود اقتصاد عالمي من جراء هذه الأزمة، هذا الركود بدأنا نشهد ملامحه في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إن ركود الاقتصاد العالمي سيؤثر سلباً في الاقتصاد السعودي من خلال عدة قنوات أهمها أن الركود العالمي سينعكس سلباً على السوق البترولية، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على البترول وأسعاره . وهذا سيؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد السعودي، ذلك لأن قطاع البترول يعد المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في المملكة، كما يترتب على ذلك انخفاض الإيرادات البترولية للمملكة التي تشكل نسبة تقارب 89 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإنفاق الحكومي.
إن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي بدأنا نشهد ملامحه مصحوبا بانخفاض في سعر الفائدة على الدولار وعجز متفاقم في الميزان التجاري الأمريكي سيؤدي ذلك حتماً إلى انخفاض سعر صرف الدولار تجاه معظم العملات الرئيسية، أو على الأقل استمرار بقائه عند مستويات متدنية لمدة طويلة، الأمر الذي سينعكس سلباً على سعر صرف الريال تجاه العملات الرئيسية (الذين يمثلون الشركاء التجاريين للمملكة) الأمر الذي قد يسهم في استمرار الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي.
والجدير بالذكر أن انخفاض سعر صرف الريال تجاه معظم عملات الشركاء التجاريين للمملكة يعد من العوامل الخارجية الرئيسية لتفاقم الضغوط التضخمية في المملكة، حيث يسهم هذا العامل الخارجي بنسبة تقارب 35 في المائة في خلق الضغوط التضخمية في المملكة.
إن ركود الاقتصاد العالمي الذي بدأنا نشهد ملامحه سيؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي، الأمر الذي سيؤثر سلباً في نمو الصادرات غير البترولية للمملكة وعلى رأسها الصادرات من المنتجات البتروكيماوية، بعد أن شهدت هذه الصادرات غير البترولية نموا متسارعا منذ بداية العقد الحالي. هذا الوضع قد ينعكس سلباً على أرباح الكثير من الشركات التي تعتمد على تصدير معظم منتجاتها أو نسبة من منتجاتها، وأخيراً إن ركود الاقتصاد العالمي قد يؤدي إلى الحد من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة.
وباختصار يمكن القول إن الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي قد يكون لها تأثيرات غير مباشرة في الاقتصاد السعودي، أهمها حدوث تباطؤ في نمو الاقتصاد السعودي وتراجع في الصادرات السعودية (البترولية وغير البترولية) وانخفاض في تدفق الاستثمار الأجنبي للمملكة، إضافة إلى بقاء سعر صرف الريال منخفضا تجاه معظم عملات الشركاء التجاريين للمملكة.

ليست هناك تعليقات: