الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

ما الذي تتوخاه روسيا وأوروبا في القوقاز؟


بقلم: دميتري كوسيريف، معلق "نوفوستي" السياسي

يتوقف نجاح الصيغة الجديدة لخطة "ميدفيديف - ساركوزي" والتي تبناها الرئيسان في موسكو يوم الاثنين الماضي، على الأهداف التي تتوخاها فعلا روسيا والاتحاد الاوروبي في شخص رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي في القوقاز.

ونعيد إلى الأذهان أن رئيسي روسيا وفرنسا ميدفيديف وساركوزي توصلا إلى اتفاق على الإجراءات الإضافية الرامية إلى تجسيد خطتهما الأصلية. وتتلخص هذه الإجراءات من حيث الجوهر في موافقة الاتحاد الأوروبي على أن يصبح جهة ضامنة لعدم استخدام القوة (طالبت روسيا ذلك بغية تجنب تكرار الهجوم الجورجي على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأعمال قتل المدنيين بالجملة التي وقعت في ليلة السابع على الثامن من أغسطس الماضي). ومما له أهمية خاصة أن الحديث يدور حول تبني وثيقة ملزمة تقضي بمعاقبة جورجيا في حال انتهاكها.

الخطوة التالية التي نسقها ميدفيديف وساركوزي أخيرا هي قيام روسيا بسحب جنودها (الـ5000 حسب تقديرات فرنسا) من المناطق الجورجية المتاخمة لأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا خلال فترة أقصاها 10 أيام بعد نشر بعثات من المراقبين الدوليين فيها. وهذا، على الأرجح، مطلب أوروبي وهو يخص الوجود الروسي في "حزامي الأمن" الممتدين على طول حدود الجمهوريتين الذاتيتي الحكم في قوام جورجيا سابقا. وظلت هذه المسألة غير واضحة المعالم في خطة ميدفيديف - ساركوزي الاصلية المتكونة من ستة بنود. ذلك أن روسيا كانت تبرر وجودها في هذا "الحزامين" بالاستناد إلى أحكام الوثائق الدولية السابقة بينما لم تتضمن البنود الستة أي موقف واضح من هذه القضية. ونرى ساركوزي اليوم يضمن وصول المراقبين (بحلول الأول من أكتوبر القادم)، وبالمقابل يضمن ميدفيديف سحب القوات.

وأخيرا، اتفق الطرفان على إجراء مشاورات دولية حول أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اعتبارا من 15 أكتوبر القادم في جنيف. علما أن ميدفيديف أكد أن موقف روسيا من الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا نهائي لا رجعة فيه، بينما قال ساركوزي أن هذه القضية توفر مادة كافية للبحث. وثمة أيضا مسألة متعلقة بقائمة المشاركين المحتملين في المؤتمر.

لكن السؤال الأهم من يربح من كل هذا عدا ميدفيديف وساركوزي اللذين نجحا في رفع هيبتهما في الأسابيع الأخيرة؟ وفي الحقيقة حظي ساركوزي بسمعة دبلوماسي في المستوى العالمي وصانع سلام، بينما تلقى ميدفيديف براهين دامغة على عدم فرض أي عزلة على روسيا بل على أن لها شركاء قادرين على مساعدتها على الخروج من وضع يكتنفه الغموض وبفائدة لا بأس بها.

فما الذي تتوخاه أوروبا في القوقاز؟ إليكم أراء بعض الخبراء الأجانب المختصين بالشؤون الروسية:

ستيفن فاغستيل ("Financial Times"، بريطانيا). يذكّر هذا المعلق البريطاني بأن إدراك ضرورة وقف عملية توسع الاتحاد الأوروبي نضج لدى قياداته تاركا جورجيا وأوكرانيا خارج إطار هذه العملية لأن التعاون معهما يتطلب توقيع وثائق خاصة تتطلب التأكد من صفتهما السلمية وعدم تعرضهما للخطر. وهو أمر يستدعي، بدوره، توفر قواعد سلوك محددة يتمسك بها حاليا ومستقبليا كل من موسكو وكييف وتبليسي.

نيكولاي زلوبين (معهد الأمن العالمي، الولايات المتحدة). يشير الباحث إلى أن "أوروبا القديمة" في شخص ساركوزي تسعى إلى اختطاف زمام المبادرة من أوروبا الشرقية التي تنتسب إليها جورجيا أيضا، وهذا يعني انتزاع المبادرة من الولايات المتحدة التي تبسط وصايتها على بلدان أوروبا الشرقية. علما أن الأخيرة ألحقت أضرارا بسائر الشعوب الأوروبية بما فيه الكفاية ويجب تحريمها من إمكانية مواصلة ممارساتها الهدامة.

وإذا سمحت روسيا لفرنسا التي تترأس اليوم الاتحاد الأوروبي بأن تُخرج الاتحاد الأوروبي من المأزق القوقازي، فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف بأن روسيا شريك جدي وطويل الأمد في نظر "الأوروبيين القدماء"، إذا جاز التعبير.

والآن بصدد ما تريده موسكو في القوقاز. إنها مسألة غاية في التعقيد. فقد آن الأوان، كما يبدو، لصياغة سياسة جديدة واقعية ونشطة تجاه هذه المنطقة، إذ بات واضحا بجلاء أن الرهان على الاحتكار الروسي في تسوية كل مشاكلها يخلو من الأساس العملي. ويتكلف الاتحاد الأوروبي الآن بضمان عدم استخدام القوة، فدع سآكاشفيلي أو الأمريكان يدبرون عملا استفزازيا ضده! أما موسكو فتحتاج في نهاية المطاف إلى تطوير التعاون الاقتصادي مع جميع دول القوقاز، ولو في جو من المنافسة مع الأوروبيين والأمريكان. أي نفس ما تحتاج إليه في أي منطقة آخرى من العالم. كما تريد موسكو درء كل المحاولات ومن أي جهة كانت، لإقامة أنظمة لا تكف عن الاستفزازات العسكرية المتواصلة ضد روسيا في القوقاز. وهذا ما أصر عليه ميدفيديف أثناء المباحثات مع ساركوزي.

ونرى، بالتالي تطابق المصالح ليس فقط في البعد التكتيكي بل والإستراتيجي أيضا. ولم يبق الآن سوى الاستفادة من هذا التطابق من أجل بناء صرح سياسة أوروبية عامة متعددة الجوانب في القوقاز.

ليست هناك تعليقات: