الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

مفارقات الجهاد الصومالي


الورطة (1)

د. أكرم حجازي

إسلام أن لاين

904ima

بسرعة البرق تهاوت المحاكم الإسلامية أمام التدخل الأثيوبي ، بكل مكوناتها السياسية والعسكرية والتنظيمية، وبسرعة البرق تمايزت الصفوف. وبطبيعة الحال اشتعلت الحرب ضد التدخل العسكري والحكومة الموالية للاحتلال. لكن صبر الأثيوبيين يكاد ينفذ بالكامل، وها هو التدخل العسكري يشارف على نهايته بعد أن أعلن الرئيس ميليس زيناوي في لقاء له مع صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية (27/8/2008) أنه سيسحب قواته من الصومال حتى قبل أن تتشكل حكومة الوحدة الوطنية. وبعد أن تحدث بمرارة عن فشل المجتمع الدولي بإرسال قوات دولية تحل محل قواته مشيرا إلى أن ثمانية آلاف من القوات الأفريقية لم يصل منها إلى الصومال أكثر من 2600 جندي ناهيك عن وعود باستبدالها بقوات دولية، وبعد أن اعترف بأن بلاده استخدمت مطية قبل أن تترك لمصيرها تصارع وحدها. وبهذه التصريحات يكون زيناوي قد نسخ تصريحات سابقة له أمام برلمان بلاده قال فيها أن القوات الأثيوبية باقية في الصومال حتى القضاء على المجاهدين.

لا شك أن مفارقات الحرب الصومالية مثيرة جدا، إلا أن تصريحات الرئيس الأثيوبي أشد إثارة خاصة فيما يترتب عليها من تداعيات سواء داخل الصومال أو في المحيط الإقليمي للمنطقة. ولأنها تصريحات رئاسية غير مسبوقة فهي ذات قيمة كونها تؤشر إما على نهاية مريرة للتدخل العسكري وبالتالي لا بد من الانسحاب آجلا أو عاجلا، وإما أنها، على الأقل، تعبر عن تذمر شديد لم تعد أثيوبيا تحتمله وهي الخبيرة بألاعيب الاستعمار. وفي كلتا الحالتين لا بد من التوقف عند أبرز مفارقات الحرب الصومالية وقراءة التصريحات في ضوء الواقع والظروف التي أنتجتها.

الغزو الأثيوبي والقهر الأمريكي

أولى المفارقات تمثلت في الغزو الأثيوبي. فقد ضغطت الولايات المتحدة على الرئيس الأثيوبي ميليس زيناوي وأجبرته على خوض حرب بالوكالة ضد ما أسمته بالقوى الإرهابية. أما زيناوي فكان يعلم علم اليقين أنه ذاهب إلى ورطة شاء أم أبى. فالبلاد والمنطقة لها ثارات عميقة مع أثيوبيا، وخوض حرب ضد الإسلاميين عامة والقوى السلفية الجهادية خاصة هي حرب خاسرة بكل المقاييس، فهل من مبرر منطقي يدفع أثيوبيا لخوض حرب سبق للأمريكيين أنفسهم أن هربوا من جحيمها ومعهم القوات الإيطالية وغيرها؟ ومع أن الإجابة بالنفي إلا أنه ما من قوة كانت قادرة على الوقوف بوجه الطغيان الأمريكي الذي سبق له وجرب حظه في نفس البلاد وفرّ منها مذعورا.

أما العجيب في المفارقة فتكمن فيما تخلفه السياسة الأمريكية من غيظ يصل إلى حد القهر والإذلال العلني حتى لأصدقائها قبل خصومها. فهي تقدم، مباشرة أو عبر وكلائها، دعما مكشوفا للقوى الوطنية والإسلامية، المقبولة أمريكيا وإقليميا وعربيا كي تستطيع الوقوف بوجه القوى السلفية الجهادية. لكن حتى تحظى مثل هذه القوى بمصداقية بين العامة فلا بأس من أن تعلن حربها ضد القوات الأثيوبية طالما أن خاتمتها ستكون حكومة وحدة وطنية وليس حكومة إسلامية. أما الأثيوبيين الذين أرغموا على أن يلعبوا دور المغفلين فعليهم أن يصبروا ويتحملوا ويتذوقوا طعم المنشار الأمريكي ذهابا وإيابا، فهو من جهة يطالب أثيوبيا بتحمل مسؤولياتها في المنطقة، ويحرضها على غزو الصومال وإنهاء ظاهرة المحاكم وقتال الإسلاميين، ومن جهة أخرى يحرض هؤلاء على قتال الأثيوبيين لسحب البساط من تحت أقدام السلفيين الجهاديين. لا شك أنها معادلة قهر تفرضها الولايات المتحدة على أصدقائها وخصومها في وقت واحد وبالتساوي.

المحاكم على طرفي نقيض

ثاني المفارقات تقع في المحاكم الإسلامية. فالجناح السياسي لها بقيادة شيخ شريف أحمد اتجه جنوبا بحثا عن حل سياسي يرضي جميع الأطراف، فكانت أولى محطاته، خلال الهزيمة وبعدها، كينيا وعبرها الاجتماع مع أركان السفارة الأمريكية فيها. بينما اتجه الجناح العسكري، في نفس الوقت، شمالا لخوض معارك طاحنة وصلت إلى المقر الرئاسي والمطار في قلب العاصمة الصومالية.

وفعليا فقد أثمرت اتصالات شيخ شريف أحمد عن سلسلة من المراهنات والتحالفات المحلية والعربية والدولية توجت بالإعلان عن تشكيل ما عرف بتحالف أسمرا. ولأن التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال خليط هجين من المصالح والولاءات والأيديولوجيات فقد ظهر أقرب ما يكون إلى التفكك من تحقيق أي إنجاز سياسي يذكر. بل أنه انقسم على ذاته بين توجهين على الأقل:

· أحدهما عرف بجناح أسمرا بقيادة الشيخ حسن طاهر أويس، وهذا يؤمن بالمقاومة من أجل تحرير الصومال من الاحتلال الأثيوبي. ويحتج بأنه ما من بلد: عانت من الاستعمار تحررت بالكلام.

· والثاني هو جناح جيبوتي بقيادة شيخ شريف أحمد الذي بات يكتفي بالمفاوضات السلمية لحل الأزمة الصومالية. وبالتالي فهو يعبر عن وجهة النظر الأمريكية والغربية التي لم تعد ترى في الكفاح المسلح وسيلة شرعية لفض النزاعات الدولية أو الإقليمية.

أما الانقسام فقد وقع على خلفية توقيع اتفاقية جيبوتي (9/6/2008) بين الحكومة الصومالية المؤقتة وغالبية من التحالف بقيادة شيخ شريف أحمد تصل إلى 106 أعضاء من أصل 191 عضوا يشكلون إجمالي اللجنة المركزية للتحالف. وتقضي الاتفاقية التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا باعتماد: (1) التفاوض كوسيلة لإخراج القوات الأثيوبية من البلاد، و (2) وقف المواجهات المسلحة بين التحالف والحكومة بعد مرور ثلاثين يوما على توقيعها، على أن (3) تسحب أثيوبيا قواتها بعد أربعة أشهر.

ولعل العجيب في هذه المفارقة أن شيخ شريف أحمد يتصرف في الوضع الصومالي، على حد تعبير بعض معارضيه في التحالف، كـ ديكتاتور سواء في اتصالاته وتحالفاته أو في اجتماعاته المتكررة مع الأمريكيين في كينيا وجيبوتي وغيرهما أو في التفاوض بدون مشاورة قادة التحالف حتى أنه تجرأ على توقيع اتفاقات بعيدا عنهم. هذا الوضع من الصراع المحتدم بين القوى السياسية لدرجة الانقسام يطرح سؤالا حاسما على التحالف الذي راهنت عليه دولا عربية ورأت فيه مخرجا للحالة الصومالية في ظل تنامي القوى السلفية الجهادية. أما السؤال فهو: إنْ لم تكن نشاطات شيخ شريف أحمد وتحالفاته تعبر عن توجهات سياسية للتحالف؛ فهل هي انعكاس لأجندات سياسية دولية خاصة بعد سقوط الرهان على المواقف العربية والإسلامية؟ وهل هذه الأجندات والقوى هي من يقف خلف ديكتاتورية شيخ شريف؟ ثم كيف سيتصرف جناح أسمرا إزاء اتفاقية جيبوتي واندفاعات شيخ شريف الذي يحظى بدعم دولي بخلاف الشيخ حسن طاهر أويس؟

لا ريب أن الشيخ أويس يحظى بدعم أسمرا المتشددة في مواجهة عدوتها التاريخية أثيوبيا، كما يحظى بثقل ميداني في المواجهات، رغم ضعف جناحه السياسي مقابل جناح جيبوتي، وهذه عناصر كافية للتعبير عن سخطه من سياسات شيخ شريف التي لم تعد تلقي بالا لقوى المقاومة. لكن حتى لو جرى ترقية ورقة المقاومة ميدانيا فإن أكثر ما يمكن لها أن تحققه هو إصابة اتفاقية جيبوتي بأضرار. والحقيقة أن المشكلة ليست في الاتفاقية بحد ذاتها بل في طبيعة وخلفية القوى التي قبلت بالأطروحات الأثيوبية والدولية لعلمها أن المقاومة التي تقودها هي أضعف من أن تحقق أي إنجاز سياسي، ولأن بعض هذه القوى تميل في علاقاتها السياسية إلى التفاهم مع الأثيوبيين والتعايش معهم وفق شروطهم بل وحتى الاندماج مع أثيوبيا. وهذه ورقة قوية تلعب أثيوبيا بها منذ بداية الأزمة الصومالية سنة 1991، وهي التي دفعت غالبية التحالف إلى القبول بالتفاوض بديلا عن المقاومة. ولا شك أن ثائرة الشيخ أويس قامت لعلمه أن الهدف النهائي من الاتفاقية ليس فقط مواجهة تيارات السلفية الجهادية بل وكل تيارات المقاومة سواء الإسلامية منها أو الوطنية. وبطبيعة الحال فقد أدرك الشيخ أويس أنه، بموجب الاتفاقية، تلقى العصا والجزرة في آن واحد من القوى الدولية بالذات، فإما أن يقبل بالاتفاقية وإما أنه سيخسر كل شيء بما فيها حياته.

وفي هذا المستوى فقط من الوضع الصومالي فليس معروفا من هو المنتصر ولا من هو المنهزم. وبقليل من الصراحة لن يكون بمقدورنا إلا الحديث باختصار عن كون الجميع في ورطة سواء كانوا أثيوبيين أو صوماليين أو قوى دولية أو إقليمية.

أشباح كيسمايو (2)

418128

ثالث المفارقات في الوضع الصومالي تقع في صلب التيار السلفي الجهادي. ففي الوقت الذي طغت فيه الصراعات السياسية بين الفرقاء على خلفية مقاومة الاحتلال الأثيوبي بدت حركة الشباب المجاهدين، منذ هزيمة المحاكم، منشغلة أكثر من غيرها بمقارعة حكومة عبد الله عيسى وقوات الغزو غير آبهة بما يجري على المستوى السياسي. وحتى اللحظة لا يبدو أنه ثمة قوة ثابتة ومتماسكة وواضحة الأهداف والنوايا في الصومال أكثر من حركة الشباب المجاهدين. ولعل في بياناتها ما يكشف عن بعض أسرار هذا التماسك. فهي حركة تمتلك جيشين أحدهما يسمى بـ: جيش العسرة، ومهمته عسكرية صرفة تستهدف القوات الأثيوبية والحكومية والميليشيات المسلحة الموالية لهما، والآخر يسمى بـ: جيش الحسبة ومهمته اجتماعية صرفة تستهدف فض النزاعات القبلية المستعصية وحماية المجتمع وخاصة التجار والأهالي ومطاردة اللصوص والمجرمين والقراصنة وقطاع الطرق وإقناع التشكيلات الاجتماعية بتطبيق الشريعة.

والأكيد أن المتابعين لشؤون الساحات الجهادية في العالم قد لاحظوا نمطا جديدا من التدخل الجهادي في المجتمع عبر الحالة الصومالية لم تكن مألوفة بهذا الاتساع والنشاط، وحتى الجماعات السلفية الضاربة لم يسبق أن شهدنا تشكيلات لها ذات طابع اجتماعي. وهذا لا يعني أننا ننكر مثل هذا الأمر عليها لكنه في حالة حركة الشباب المجاهدين أكثر وضوحا وفاعلية. ويبدو أن الحركة استفادت فعلا من تجربة العراق، لكن على الأرجح أن تكوين جيش الحسبة فرضته ظروف الحرب الصومالية التي خلفت الكثير من قطاع الطرق والعصابات في ظل غياب الدولة، وبالتالي فهو ظاهرة تستحق المتابعة.

أما أبرز الأحداث المستجدة فهي سقوط العديد من الأقاليم والمدن الجنوبية بيد حركة الشباب المجاهدين. ولا شك أن سقوط ولاية جوبا وعاصمتها كيسمايو ثالث المدن الساحلية (528كلم جنوب العاصمة مقاديشو)، وطرد الميليشيات الحكومية منها بزعامة بري هيرالي كان الحدث الأهم على الإطلاق. ومن الطريف أن أصواتا في التحالف أعلنت أن القتال في كيسمايو لا يخدم الشعب الصومالي ثم عادت وتحدثت في وقت لاحق عن مشاركة قوى أخرى غير الشباب المجاهدين ساهمت في السيطرة على المدينة!

المهم في الحدث أن سقوط المدينة كان تتويجا للحملة على ولاية جوبا السفلى أسفرت، بحسب بيان للحركة صدر في 12/8/2008، عن فض سلسلة نزاعات قبلية دامية عصفت بمعظم مدن الولاية حتى تمّ إبرام صلح شامل بين قبائل متناحرة طوال عقود من الزمان، وتبع المصالحة بحسب نفس البيان لقاء جمع رجال الحسبة مع رؤساء العشائر وأعيانهم حيث عرضوا عليهم الالتزام بشريعة الرحمن التي بالتحاكم إليها تصان الدماء الأعراض وينبذ الاقتتال الجاهلي، فقوبل عرض الإخوة بترحيب ورضاء ... فطأطأ رؤساء العشائر رؤوسهم لمتطلبات الشريعة المحمدية آخذين بالعهد للعمل بمقتضياتها وفعل مأموراتها وترك منهيَّاتها. أما في كيسمايو فقد: كبّر الناس لقدوم المجاهدين إلى أرضهم مطالبين بمساعدة إخوانهم في تطبيق الشريعة ومحاربة قطّاع الطرق واللصوص.

لكن ميليشيات بري هيرالي عاودت الكرة لاستعادة المدينة من الحركة إلا أنها فشلت، بل أن هيرالي نفسه نجا من كمين لاغتياله قبل أن يغادر المدينة نهائيا رفقة ما تبقى من قواته. والعجيب في أحداث كسمايو أنها تعرضت لتعتيم إعلامي مقصود استفاق مرغما على حقيقة سقوط المدينة والإقليم برمته. والأكيد أن المتابع لتغطية الإعلام العربي للوضع في الصومال لاحظ أن حالته تشبه حالة النعامة وهي تضع رأسها في التراب اتقاء لخطر يتهددها. لكن سواء تم تجاهل الحركة إعلاميا حتى وهي تسيطر على كسمايو، أو أطلقت بعض الفضائيات على مقاتليها تسميات من نوع: المسلحين الإسلاميين أو أنكرت عليهم حتى التسمية التي سموا أنفسهم بها فالواقع أقوى من أية مراوغات لطمس حقائق ساطعة لا ينفع معها التعمية العوراء خاصة وأن لحركة الشباب المجاهدين وغيرهم من المقاومين سيطرة واسعة ومحكمة على جنوب الصومال، بل أن تقارير المنظمات الدولية تؤكد أن خلايا المجاهدين تكاد تغطي البلاد بكاملها حتى أن الحكومة المؤقتة لم تعد تتوقف عن التصريح بأن الأمن يفلت من يدها يوما بعد يوم بصورة خطيرة. فأيهما فرض نفسه على الآخر؟ أشباح كيسمايو؟ أم الفضائيات الهائمة على وجهها؟

قاعدة في الصومال؟

رابعة المفارقات في توقع ظهور قاعدة الجهاد في بلاد الصومال قريبا.. والصحيح أن القاعدة نشطت في أفريقيا منذ البدايات الأولى لعقد التسعينات من القرن العشرين حيث ساهمت بفعالية في طرد القوات الأمريكية من الصومال رفقة القوى الإسلامية هناك، وكذلك عبر سلسلة من الاستطلاعات قادها المسؤول العسكري الأول للقاعدة أبو عبيدة البنشيري الذي غرق في بحيرة فيكتوريا بأوغندا منتصف العام 1996. والعجيب في خبر غرق البنشيري أنه يجري تداوله كما لو أنه حادثة طارئة في نشاط القاعدة، في حين أن استطلاعات ميدانية واسعة النطاق شملت المناطق الساخنة في القارة الأفريقية وعلى هذا المستوى الرفيع من القيادة يؤشر، بامتياز، على أن القاعدة كانت مشغولة في استيطان المنطقة منذ وقت مبكر.

ومع ذلك فلم تكن حركة الشباب، كخزين بشري للفكر السلفي الجهادي، لتنأى بنفسها عن القوى الإسلامية الصومالية وتستقل في صيغة فرع للقاعدة، بل ظلت قريبة من مختلف القوى ومتحالفة معها حتى سقوط المحاكم. لكن انفضاض القوى الإسلامية وتغير التحالفات وشيوع الولاءات المتعددة وظهور المصالح وكثرة التدخلات في الشأن الصومالي دفع هذا الخزين البشري إلى الائتلاف في صيغة جماعة سلفية مميزة عن غيرها عبر ما يسمى الآن بحركة الشباب المجاهدين. وحتى وقت قريب لم تكن الحركة بوارد الإعلان الصريح عن منهجها إلا حين أعلن أمير الحركة الشيخ مختار أبي الزبير منهج الجماعة في كلمة صوتية له بعنوان: جهادنا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله بثها القسم الإعلامي للحركة بتاريخ 2/6/2008. ولعل ما يلفت الانتباه في الكلمة أنها تمثل، للمرة الأولى، إعلانا عن قطيعة تامة على مستوى المنهج والعقيدة مع غيرها من القوى السياسية والإسلامية ذات الاتجاهات الوطنية أو القومية. لكن هل كانت الكلمة مقدمة تمهد للإعلان عن قاعدة الجهاد في الصومال؟ هذا ما سنحاول التثبت منه تاليا.

أولا: المصادر الغربية

بحسب ما أوردته صحيفة لوس أنجلوس تايمز 25/8/2008 فالحديث تجاوز كل التخمينات بما أنه يجري الآن عن مفاوضات بين الحركة والقاعدة، وهذا يعني بأن الأجواء باتت مهيأة للقاعدة في الصومال، وهي العبارة التي عنوت بها الصحيفة مقالها. ففي لقاء غير مألوف لدى قادة الأجنحة المسلحة للسلفية الجهادية كشف أمير الحركة للصحيفة عن تفاوض مع القاعدة: حول كيفية الاندماج مبينا بصراحة: سوف نأخذ الأوامر من الشيخ أسامة بن لادن لأننا طلابه. أما عن مبررات الحركة في الانضواء تحت لواء القاعدة فيجيب الشيخ مختار للصحيفة بأن: (1) القاعدة هي أم الجهاد في الصومال و (2) الكثير من قادتنا تلقوا تدريبهم في معسكرات القاعدة، و (3) نحن نحصل علي تكتيكاتنا من القاعدة، ويضيف بأن: (4) الاندماج مع القاعدة أمر عقلاني في ظل الهجمات الأمريكية بما فيها هجمة أول مايو التي قتل فيها قائد الشباب السابق.

ولو تفحصنا الإجابات لما وجدنا فيها جديدا خاصة وأنها أمور باتت معروفة منذ زمن. إذ حين نتحدث عن جماعة سلفية جهادية علينا ألا نفاجأ بأن قياداتها قد تخرجوا من أفغانستان، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون القاعدة بالنسبة لهم هي أم الجهاد سواء في أفغانستان أو في غيرها، ومن الطبيعي أيضا، في العموم وليس في الخصوص، أن تتشابه وسائل القتال. وعليه فالتفاوض لن يجري بالقطع على بديهيات. لذا، فإن صح ما نقلته الصحيفة، فمن المرجح أن الحركة تبحث عن مرجعية شرعية وجهادية تعترف بجهادها وتؤصل له على نطاق الأمة الإسلامية وليس على نطاق محلي يمكن في أية لحظة أن يكون لقمة سائغة للقوى الدولية والإقليمية التي تنشط في إبعاد الجهاد في الصومال عن ساحة الجهاد العالمي.

لكن حتى الآن فإن تصريحات أمير الحركة وإصداراتها تتخذ منحى تصعيديا يمكن أن يُفهم منها وفاء للقاعدة وليس مبايعة. لهذا، وبحسب الصحيفة، فالمسؤولون الأمريكيون ليسوا متأكدين من جدية مساعي الحركة فيما إذا كانت تعبر عن حقيقة قادمة أو أنها مجرد حرب كلامية معادية للغرب. وعليه فمن الأجدى التريث قبل اعتماد التصريحات:

1) لأنها غير رسمية، وبالتالي يصعب الركون إلى صحتها بحيث يمكن البناء عليها خاصة في قضايا حساسة على هذا المستوى، وهذا يعني انتظار ما يؤكدها أو ينفيها من قبل الحركة نفسها؛

2) ولأن التصريح بهذا الأمر عبر وسائل الإعلام مسألة غير مسبوقة بحيث يمكن اعتبارها سابقة؛

3) ولأن التصريحات المنسوبة للشيخ مختار يمكن أن تكون تعبيرا عن سياسة أمريكية جديدة يجري بموجبها استدراج الحركة إلى مربع القاعدة بحيث يسهل على القوى الخصيمة لها تشويهها وإسقاطها.

ثانيا: مصادر القاعدة والحركة

الثابت أننا شهدنا ميلاد فروع متعددة لتنظيم القاعدة المركزي في أفغانستان كما حصل في العراق أو مصر أو في الجزائر حين بايعت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الشيخ أسامة بن لادن وظهرت تبعا لذلك قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي، ومع ذلك لم نسمع حتى الآن عن فرع رسمي للقاعدة في الصومال ولا عن نوايا رسمية بهذا الاتجاه. بل إن أقصى ما يمكننا التكهن به لا يتجاوز توقع وجود تنسيق بدرجة ما أو اتصالات على مستوى معين، أما الحديث عن روابط تنظيمية فهو ما لم تثبت صحته بعد ما لم يصدر إقرار صريح بذلك من أصحاب الشأن، مع أن توقع إعلان قريب عن قاعدة الجهاد في الصومال أو في القرن الأفريقي يظل أمرا واردا في أي حين. ولو تتبعنا المؤشرات المتوفرة سنلاحظ أن الطرفين يبديان قدرا بالغا من الحذر تجاه هذه المسألة:

· فالخطابات الصادرة عن حركة الشباب كلها تثني في بداياتها على الملا محمد عمر وقادة القاعدة وتشيد بجهادهم سواء في أفغانستان أو في العراق، وتتحدث عن ذات المنهج والتوجه. وبطبيعة الحال لا يعني هذا الثناء وجود روابط تنظيمية مثلما أنه لا يؤشر على نية في الالتحاق بالقاعدة.

· وما يؤكد صحة النقطة أعلاه أن الخطاب السابق للشيخ أبي يحيى الليبي: لا سلام بلا إسلام تجنب تسمية الحركة باسمها رغم أنه موضوعيا كان حاسما في تحريض إجمالي القوى الجهادية، وليس حركة الشباب فقط، على رفض الدخول في مساومات حول هوية الدولة القادمة وعلاقاتها مع قوى الشرق والغرب. إذ ورد فيه نصا: لا تقبلوا بأقل من دولة إسلامية مستقلة لا تعترف بشرعية دولية، ولا تقر بقوانين وضعية، ولا تيمم وجهها شرقاً ولا غرباً.

فلو كانت التصريحات الواردة في الصحيفة الأمريكية دقيقة لتلقينا إشارة صريحة بصيغة بشرى كما كان يفعل د. أيمن الظواهري في بعض خطاباته وهو ما تجنبه خطاب الليبي. بل أن خطاب القائد العسكري في الحركة صالح النبهاني (انفروا 31/8/2008) لم يشر إلى لقاء الصحيفة مع الشيخ مختار ولم يعط أية إشارة على ما نسب إليه من تصريحات.

أخيرا

يمكن أن يكون تصريح الرئيس زيناوي عن سحب قواته من الصومال تطمينات أريد منها إغراء جناح أسمرا بقبول اتفاقية جيبوتي، وبالتالي ما من جدوى لمعارضته إذا كانت النتيجة ستؤدي إلى تحقيق الانسحاب الفعلي.

أما فيما يتعلق بالتيار السلفي الجهادي فمن العبث السخرية من فعالياته أو تجاهلها خاصة وأن حروبه ذات مواصفات عقدية وليس مصالح سياسية، وهذا يعني أنها نافذة بنفاذ الحكم الشرعي فيها وليست طارئة. وعليه فإن تنامي المد السلفي الجهادي في القرن الأفريقي، أيا تكن تسميته الراهنة أو المحتملة، فهو مرشح للتضخم لأكثر من سبب:

· لأن الولايات المتحدة التي جربت حظها في الصومال عاجزة عن إنزال قواتها أو التورط بحروب جديدة مع الأدوات الضاربة للسلفية الجهادية كحركة الشباب المجاهدين. وإلا ما كانت لتدفع بأثيوبيا إلى خوض حرب بالوكالة نيابة عنها تشبه بالضبط حرب الوكالة التي خاضتها إسرائيل في لبنان ضد حزب الله.

· وبقطع النظر عن أية تأويلات للتصريحات الأثيوبية فقد أثبت التدخل العسكري حتى الآن فشلا في احتواء الأزمة الصومالية. وإذا صدقت تصريحات زيناوي وأقدم على سحب قواته من الصومال فهذا يعني أن البلاد واقعة في فراغ لا محالة، وهي أجواء مثالية للقاعدة.

· أما في حالة بقاء القوات الأثيوبية في الصومال فمن المؤكد أن التحالفات السياسية القائمة والصراعات التي تميزها ستخسر الكثير من رصيدها الشعبي الذي سيصب حكما في صالح التيار السلفي الجهادي بما أنه سيبدو، بنظر الناس، أكثر مصداقية وأجدى في المراهنة.

· لا ريب أن تضخم التيار السلفي الجهادي وتعاظم قوته ونفوذه في الصومال سيدفعه إلى التمدد نحو الأقاليم المجاورة غربا، فهو يتحدث منذ فترة ليست بالقصيرة عن أقاليم محتلة من قبل أثيوبيا كإقليم أوغادين، وعن مسلمين مضطهدين في أثيوبيا وآخرين في أوغندا وتنزانيا وكينيا وغيرها. وهذا نذير شؤم للقوى الإقليمية والدولية، بل أن العبء سيبدو أكبر كلما اقترب التيار السلفي الجهادي في المنطقة من الاندماج بتنظيم القاعدة العالمي حيث سيرتبط بأجندتها وليس بأجندة محلية فقط. وحينها سيكون للغربيين عامة والأمريكيين خاصة الحق في إبداء المزيد من المخاوف إذا وضعنا في عين الاعتبار أن ذوي البشرة السوداء من الجاليات التي تعيش بين البيض سيغدون موضع ريبة إلى أن يثبت بحقهم العكس.

المدهش في التيار السلفي الجهادي أنه يعمل على الأرض بغض النظر عما إذا كان الإعلام العربي أو الدولي موجودا على الكرة الأرضية أو مختفيا، والعجيب في هذا الإعلام أنه ما زال يعتقد أن السلفية بحاجة إليه، ومع أن السلفية الجهادية توجه أشرعتها بعكس الرياح إلا أنها تسير! فمن يستطيع فك هذه المعادلة؟

ليست هناك تعليقات: