الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

الصحف البريطانية: لا مجال لأنصاف الحلول في الأزمة المالية





تقلبات السوق لم تعد تثير انتباه كثير من البريطانيين (الفرنسية-أرشيف)

ما تعانيه بريطانيا لم يعد أزمة رهن عقاري ولا حتى أزمة مالية وإنما سكتة قلبية مالية خانقة لا تفيد فيها أنصاف الحلول, بل "الخيار النووي" هذا ما جاء في الصحف البريطانية الصادرة اليوم الأربعاء, محذرة كذلك من تراخي الدول الغنية الكبرى في اتخاذ ما يلزم لإعادة الثقة للنظام المالي.

فقدان السيطرة
طغت أخبار الأزمة المالية وخطة إنقاذ النظام المصرفي البريطاني التي أعلنت عنها الحكومة على تغطيات الصحف البريطانية.

صحيفة تايمز كشفت عن تفاجئ المسؤولين البريطانيين الذين كانوا يسابقون الزمن لإعداد ما يوصف بأضخم وأروع برنامج تأميم للمصارف البريطانية في التاريخ, بفقدان وزير خزانتهم أليستر دارلينغ السيطرة على مجريات الأحداث.

الصحيفة قالت إن المسؤولين استغربوا كيف تم ولمدة ثلاثة أيام تداول الخطة الاستعجالية لضخ خمسين مليار جنيه من أموال دافعي الضرائب في المصارف البريطانية المترنحة, في أوساط الجمهور، متنبئة بأن يكون ذلك موضع تحقيق برلماني أو ربما قضائي مستقبلا.

أما الخطة نفسها فإن الصحيفة شككت في كفايتها في التصدي للأزمة, قائلة إن المصارف البريطانية الكبرى ظلت لأسابيع عدة تصر على أنها لا تحتاج مزيدا من رؤوس الأموال, لكنها وجدت نفسها تواجه صعوبة حادة في التمويل الذاتي, أما المصارف الأخرى التي توجد علامات استفهام على عملياتها المالية, فإنها شبه عاجزة عن توفير التمويل الضروري لاستمرارها.

ورأى كارل موتيشيد في الصحيفة ذاتها في تدخل الحكومات لإنقاذ النظام المالي مؤشرا على أن العولمة بدأت تنحسر وتترك مكانها لـ"إقطاعيات إقليمية".

وخلص إلى القول: "إننا نتجه نحو عالم يشهد مزيدا من الحمائية الاقتصادية, بحيث يحاول الكل فيه صيانة موارده بحرص شديد, عالم لن تعود فيه تكلفة المواد والطاقة من المسلمات بل ستشكل جزءا مهما من التخطيط الإستراتيجي تماما كتكلفة العمالة, فقد دأبنا خلال عقود عدة على الترويج إلى أن العالم يتحول شيئا فشيئا إلى قرية صغيرة, لكن الملاحظ اليوم أن الهوة بيننا وبين شركائنا التجاريين تتسع باستمرار".

إصلاح النظام المالي البريطاني يقع على كاهل دارلينغ أكثر من غيره (رويترز)
غير أن الكاتب هامش ماكراي في صحيفة ذي إندبندنت توقع أن تخبو جذوة الأزمة الحالية, وإن أكد أن المسألة هي حول مدى الضرر الذي ستتسبب فيه.

ولا يمكننا الآن, حسب الكاتب, أن نبدأ في تحديد تفاصيل محصلة أحداث الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية, لكننا "ندرك أن الجهود الأولية التي اتخذتها المؤسسات المالية الدولية للتصدي لهذه الأزمة وإعادة الثقة للأسواق المالية قد فشلت".

وشدد الكاتب على أن هناك أمرين يمكن للدولة وحدها القيام بهما أولا إعطاء الضوء الأخضر للمصارف المركزية عبر العالم لضخ مزيد من السيولة حتى تعود الثقة للنظام المصرفي, وثانيها دعم الاستثمار عبر سلطاتها الضريبية.

وتوقع ماكراي أن يستعيد الاقتصاد العالمي عافيته بحلول العام 2010, منبها إلى أن الحقيقة المرة هي أنه كلما زادت فترة عجز المصارف عن تقديم قروض الائتمان بصورة حرة كلما طالت الفترة التي نحتاجها للعودة لحياة اقتصادية طبيعية.

ضرورة تحرك الحكومة لإنقاذ الموقف اتفق معه فيها فيليب لغرين, لكنه رسم صورة قاتمة للوضع في مقال له بصحيفة غارديان واصفا ما تواجهه بريطانيا بأنه لم يعد أزمة رهن عقاري ولا حتى أزمة مالية وإنما سكتة قلبية مالية خانقة لا تفيد فيها أنصاف الحلول.

غير أن جوناثان فريدلاند شكك في مقال له بالصحيفة ذاتها في قدرة زعماء العالم الغربي على التصدي بشكل ناجع للأزمة الحالية, معتبرا أنها "أزمة نظام لحكم.. أزمة للديمقراطية".

فريدلاند قال إن الهيجان الذي شهدته الأسواق المالية الأسبوع الماضي فضح مدى قصور السياسيين, وهم الآن مطالبون إن استطاعوا لذلك سبيلا أن يثبتوا قدرتهم على فعل ما هو ضروري لحماية النظام المالي من الأزمة الحالية، وإدخال قوانين تحول دون وقوع مثل هذه الأزمة في المستقبل, كي يظل النظام الديمقراطي يفرض نفسه على الجميع.

الخيار النووي
"ما هو ضروري" حسب صحيفة ديلي تلغراف هو اللجوء "للخيار النووي" المتمثل في ضخ الحكومات مبالغ مالية كبيرة في مصارفها الأساسية وهو ما قالت الصحيفة إن الحكومة البريطانية بصدد تنفيذه فعليا.

الصحيفة اتفقت مع الصحف الأخرى في التأكيد على أن خطة الإنقاذ التي أعلنت عنها الحكومة أضحت الأمل الحقيقي لإعادة الثقة للقطاع المالي البريطاني المترنح.

استفحال الأزمة دفع صحيفة فايننشال تايمز للدعوة إلى جهد جماعي يشمل عمليات إنقاذ شاملة للأنظمة المالية.

مارتن وولف قال في مقال له بهذه الصحيفة إن المستثمرين والدائنين انتقلوا من الثقة بكل أحد إلى عدم الثقة بأي أحد بسبب إشاعة الذعر غير المبرر التي تسببت في دمار هائل.

وولف دعا إلى وقف حملة الذعر فورا وليس الأسبوع القادم, مشددا على أن وقت التعامل الفردي, مؤسسة بعد مؤسسة ودولة تلو الأخرى مع مثل هذه الأزمات قد ولى, ومتسائلا عما يجب علينا فعله.

"كل شيء" هي العبارة التي اختارها الكاتب للرد على السؤال, قائلا إن الاقتصادات المتأثرة بهذه الأزمة تمثل أكثر من نصف الإنتاج العالمي, مما يعني أن هذه الأزمة هي الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.

واقترح وولف بعض الإجراءات قبل أن يطالب وزراء الدول الغنية الكبرى الذين سيجتمعون بواشنطن قريبا إلى أن يكون همهم الوحيد هو: إعادة الثقة للأسواق المالية.

وأضاف أن التاريخ سيحكم على مدى نجاحهم في تلك المهمة, محذرا إياهم من أن يتولوا كبر كساد اقتصادي آخر هائل "من أجلنا جميعا" على حد تعبيره.

ليست هناك تعليقات: