الاثنين، 13 أكتوبر 2008

إنه الركود الاقتصادي القادم










د. عبد الرحمن محمد السلطان - أكاديمي وكاتب أقتصادي 13/10/1429هـ
alsultan11@gmail.com

ظهرت أزمة الرهن العقاري على السطح في أيلول (سبتمبر) 2007، إلا أن الإدارة الأمريكية تأخرت كثيراً في إدراك حجم الكارثة القادمة والتهديد الخطير الذي تمثله هذه الأزمة لمؤسساتها المالية ونظامها المالي، رغم وجود مؤشرات قوية على أن عدداً من مؤسساتها المالية على وشك الانهيار بسبب انكشافها على القروض العقارية المتعثرة، كان من أبرزها الصعوبات المالية التي واجهها بنك نورثن روك خامس أكبر المصارف البريطانية في قطاع الرهن العقاري في العام الماضي الذي اضطر الحكومة البريطانية إلى تأميمه في شباط (فبراير) من هذا العام، وكذلك قيام بنك جي بي مورجان بالاستحواذ على بنك بير ستيرنز في آذار (مارس) الماضي بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس.
الإدارة الأمريكية لم تتعامل بجدية مع هذه الأزمة إلا بعد إعلان بنك ليمان براذرز إفلاسه في السادس عشر من أيلول (سبتمبر)، أي قبل أقل من شهر من الآن، حيث أدركت أنه يفصلها ساعات فقط عن تهاوي عدد آخر من المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى، ما جعل الإدارة الأمريكية تتدخل لإنقاذ تلك المؤسسات بشكل مباشر سريع من خلال توفير سيولة ضخمة لها، والسعي على نحو عاجل للحصول على موافقة الكونجرس على خطة إنقاذ شاملة قدرت تكلفتها الأولية بنحو 700 مليار دولار. هذا التدخل جاء متأخر جداً، فقد تحولت هذه الأزمة من مجرد كونها أزمة مالية تهدد عددا من المؤسسات المالية بالإفلاس إلى أزمة ائتمانية شاملة تواجه جميع المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، بعد توقف البنوك عن الإقراض بما في ذلك حتى إقراض البنوك بعضها بعضا. ما يعني تجفيف مصادر الائتمان للمؤسسات والأفراد في الاقتصاد الأمريكي بغض النظر عن درجة الملاءة التي يتمتع بها طالب الائتمان، والذي بلغ حدا خطيراً وجدت معه حكومة إحدى أغنى الولايات الأمريكية وهي ولاية كاليفورنيا أن لا أحد مستعد لإقراضها.
خطورة تحول الأزمة من مجرد أزمة مالية تهدد عددا من المؤسسات المالية بالإفلاس إلى أزمة ائتمانية تجفف مصادر التمويل تأتي من كون دورة النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة تبدأ من الاقتراض, فهو المحرك الأساس له، فالمستثمر في حاجة إلى التمويل لتنفيذ مشاريعه، والمؤسسات تعتمد على الاقتراض لمواجهة مصروفاتها اليومية، والمستهلكون يمولون معظم مشترياتهم من السلع المعمرة والكبيرة معتمدين على الاقتراض، وتوقف كل ذلك يعني تهديد قطاعات الاقتصاد الحقيقي كالاستثمار والاستهلاك والتوظيف بموجة ركود شاملة، فالائتمان يمثل الوقود الذي يزود عجلة النشاط الاقتصادي بالطاقة اللازمة في الاقتصادات المتقدمة وانحساره يعني تباطؤ العجلة التي تدير تلك الاقتصادات وتدخلها في مرحلة ركود.
هذه النتيجة الحتمية المترتبة على هذه الأزمة الائتمانية هو ما يفسر موجة التراجع الحاد في أسواق المال العالمية، فأسعار الشركات في أسواق المال لا تعكس ربحيتها وأداءها في الفترة الماضية أو حتى الحالية، وإنما تعكس توقعات المستثمرين لأدائها مستقبلا. لذا ليس من المستغرب أن تتراجع الأسواق المالية في دول شرق آسيا ومنطقة الخليج رغم أن مؤسساتها المالية قد تكون في وضع جيد وغير منكشفة على أزمة الرهن العقاري الأمريكية. فتحول أزمة الرهن العقاري إلى أزمة ائتمانية، وما يترتب على ذلك من دخول الاقتصاد الأمريكي ومن ورائه الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود اقتصادي، يعني أن أداء الشركات في دول الخليج ودول شرق آسيا ستتأثر سلبا، باعتبار اعتماد اقتصاداتها على استمرارية وقوة الطلب على صادراتها، وهو أمر متعثر في ظل حالة الركود الذي ستعانيها الدول المتأثرة بشكل مباشر بأزمة الرهن العقاري، بالتالي فإن اقتصادات الخليج وشرق آسيا ستعاني هي الأخرى ركودا اقتصاديا يؤثر سلباً في أداء شركاتها، حتى لو افترضنا أنها غير متعرضة لأزمة الرهن العقاري. فسهم شركة تويوتا مثلا من أكثر الأسهم المدرجة في مؤشر ناسداك الياباني تراجعاً لا لأنها شركة مهددة بالإفلاس بسبب أزمة الرهن العقاري، وإنما لكون السوق الأمريكية هي أكبر سوق لمنتجاتها، والمستثمرون يتوقعون تراجع الطلب فيها بشكل حاد. ودول الخليج تعتمد اقتصاداتها على قوة سوق نفط العالمية، وانكماش الاقتصاد العالمي سيعني دون شك فقد هذه السوق قوة الدافع التي أسهمت في ارتفاع الأسعار خلال السنوات الخمس الماضية، ما يعني تراجع الإيرادات النفطية ومن ثم الإنفاق الحكومي محرك النشاط الاقتصادي في هذه البلدان، لذا يجب عدم الاستهانة أو التقليل من أهمية تأثير هذه الأزمة فينا, فمن المؤكد أنها ستكون كبيرة، حتى لو افترضنا أن مؤسساتنا المالية غير متعرضة لهذه الأزمة بشكل مباشر.

ليست هناك تعليقات: