الاثنين، 13 أكتوبر 2008

خفض سعر الفائدة الأمريكية.. مجبر أخوك لا بطل!!









د. عبد العزيز بن حمد القاعد - كلية الملك عبد العزيز الحربية 13/10/1429هـ
ibngaeed@hotmail.com

كما كان متوقعا، قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية مدفوعاً بتبعات أزمة الرهن العقاري، وما قد ينتج عنها من بدايات لدخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الكساد، إن لم يكن قد دخلها بالفعل. تبعه في هذا الخفض الكثير من البنوك المركزية الأوروبية والآسيوية وبعض البنوك المركزية الخليجية. هذه الخطوة من قبل الاحتياطي الفيدرالي تنم عن ثقة وقدرة على السيطرة على التضخم ورغبةً منه في رفع مستوى العمالة والتوظيف في الاقتصاد الأمريكي بعد الأزمة الأخيرة، والعمل على علاج العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، الذي بلغ مستويات قياسية لم يبلغها من قبل.
السياسة النقدية بمعناها الواسع هي السياسة الموجهة للسيطرة على المعروض النقدي والتي تشمل كل المعروض من النقود سواء كانت M1 أو M2 أو M3. لأن مجموع النقود المتوافرة للإنفاق من قبل الأفراد أو قطاع الأعمال ستؤثر في الأسعار، معدل الفائدة، سعر الصرف الأجنبي، ومستوى الدخل في الاقتصاد الوطني. لذا فإن السيطرة على المعروض النقدي ستعطي البنك المركزي القدرة على التأثير الإيجابي في المتغيرات الاقتصادية الكلية. وبناء على هذا فإن السياسة النقدية هي التوأم للسياسة المالية للسيطرة على الاقتصاد الوطني والتأثير في.
حقيقة الأمر البنوك المركزية لا تسيطر على الناتج الوطني الإجمالي أو حتى مستويات الأسعار، بل تُسيطر على المعروض من النقود والتي بدورها تؤثر في الناتج الوطني الإجمالي، لذا فإن النمو في السيولة يعد هدفا وسطيا وهو بدوره يساعد البنوك المركزية على تحقيق الأهداف النهائية المرسومة (النمو الاقتصادي والأسعار المستقرة)، وبافتراض أن العلاقة مستقرة بين التغير في المعروض النقدي وبين الدخل والأسعار (تُسمى معادلة التبادل التي تربط بين كمية النقود والناتج المحلي الإجمالي الاسمي)، أحيانا يطلق عليها نظرية كمية النقود، ومع افتراض ثبات سرعة دوران النقود فالتغير في كمية النقود تؤدي إلى التغير في الناتج المحلي الاسمي.
من أدوات السياسة النقدية التي نحن بصددها معدل أو سعر الخصم وهو المعدل الذي تقترض من خلاله البنوك التجارية من البنوك المركزية، فتحرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة The discount rate هو في حقيقة الأمر خفض لمعدل خصم الأوراق المالية، حيث إن قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل الخصم هو حافز لسرعة خصم الأوراق المالية وبالتالي زيادة السيولة ومن ثم خفض سعر الفائدة، حيث إن العلاقة عكسية بين عرض النقود ومعدل الفائدة. فعندما يرفع البنك المركزي معدل الخصم للبنوك التجارية فهو في الحقيقة يرفع تكلفة الاقتراض على البنوك التجارية منه ما يؤدي إلى تخفيض المبالغ المُقترضة وهذا يضعف قدرة البنوك على التوسع في الإقراض وزيادة المعروض النقدي. أما في حالة تخفيض معدل الخصم فهو يعمل على تشجيع البنوك التجارية للاقتراض منه، ومن ثم الرفع من قدرة البنوك على زيادة المعروض النقدي. لاشك أن هذا سيؤدي إلى خفض الـ Prime rate وهو في الأساس معدل الفائدة التي تعطيها البنوك التجارية للمؤسسات المالية والأفراد.
عندما يكون هناك إفلاس للبنوك أو هلع مالي وبما ينذر بنشوء حالة من الكساد في الأسواق فبإمكان البنك المركزي التدخل المباشر من أجل علاج هذا بغرض توفير السيولة اللازمة، فهو إما أن يلجأ إلى عمليات السوق المفتوحة المكثفة بحيث يزود النظام البنكي بالاحتياطيات اللازمة، ومن ثم النقود لمواجهة طلبات الأفراد والقطاع الخاص أو بخفض معدل الفائدة على القروض المقدمة للمؤسسات المالية والأفراد.
ولعله من نافلة القول، إن أحد أهداف بنك الاحتياطي الفيدرالي استقرار معدل الفائدة، إلا أنه ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) 1979 سمح بزيادة تذبذبات أسعار الفائدة لأن هذه التذبذبات في أسعار الفائدة، عندما يكون هناك ارتفاع مثلاً، تؤثر في رغبة من هو على استعداد لبيع السندات، لأن أسعار السندات ستنخفض كنتيجة لذلك. أيضاً التقلبات الحادة في معدلات الفائدة ستؤثر في الاقتراض من قبل قطاع الأعمال كون هذا القطاع سيقضي وقتا وجهدا أكبر في التنبؤ في الوقت المناسب للاقتراض، كما أن هذه المؤسسات المالية الإقراضية قد تقترض لفترة قصيرة وتُقرض لفترة طويلة، ما يجعلها في وضع صعب. لا ننسى كذلك أن التقلبات في سعر الفائدة ستؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف ما سيلحق الضرر بالتجارة الخارجية والاستثمار. إذاً بصورة عامة، البنك المركزي دائماً محل نقد خاصةً عندما تكون معدلات الفائدة في ازدياد.
السؤال الأكثر إلحاحاً والجدير بالإجابة، ما تأثير الارتفاع في معدل الفائدة الأمريكية في دول مجلس التعاون الخليجية وخاصة المملكة كونها مرتبطة بمثبت واحد وهو الدولار؟
حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية بخفضها لمعدل الفائدة إنما تسعى إلى زيادة الاستثمارات سواء الخارجية أو الداخلية منها، ومن ثم زيادة دورة النشاط الاقتصادي وهي بذلك تعد واضعة للسياسة ومحددة لها Policy setter بينما دول المجلس تعد مُتلقية لهذه السياسة المرسومة. هناك خياران لدول المجلس أحلاهما مر. الخيار الأول الإبقاء على معدلات الفائدة المحلية دون تغيير، وبذلك يكون أعلى من معدلات الفائدة الأمريكية وينتج عن هذا الخيار ضغوط شديدة على الريال نتيجة لزيادة الطلب علية كون العائد على الودائع بالريال أعلى من الودائع بالدولار ونحن نرغب في هذا المقام تجنيب الريال الضغوطات الخارجية.
أما الخيار الثاني وهو أسلوب مجاراة البنك الفيدرالي الأمريكي وذلك بخفض أسعار الفائدة المحلية. يتم ذلك عن طريق خفض الفائدة التي تحصل عليها البنوك التجارية من البنك المركزي وبدورها تقوم البنوك التجارية بتخفيض الفوائد على القروض المُقدمة سواء كانت للأفراد أم المؤسسات التجارية. الأفراد والمؤسسات يصبح لديهم الحافز للاقتراض كون الفوائد التي ستُدفع أقل ما يزيد من السيولة ودورة النشاط الاقتصادي بشكل كبير. بالتأكيد حجم المبالغ التي يمكن ضخها للنظام المصرفي أكبر في حالة عمليات السوق المفتوحة لكنها غير متوافرة في دول المجلس بسبب ضعف أسواق رأس المال. من المتوقع أن ينتج عن سياسة خفض معدل الفائدة زيادة في المعروض النقدي وفي غالبه قد يوجه للأغراض الاستهلاكية ما يؤدي إلى ضغوط تضخمية لا نرغب في حصولها، وكما أنه قد يتضارب أيضاً مع السياسات المالية والنقدية المحافظة ويترتب علية إضعاف لجهود الدولة في مواجهة التضخم

ليست هناك تعليقات: