الخميس، 23 أكتوبر 2008

ذي إندبندنت: على أميركا أن تعيش في حدود إمكانياتها






طرح محرر الشؤون الاقتصادية في صحيفة ذي إندبندنت هاميش مكري في مقال له تساؤلات حول جهود الإدارة الأميركية المقبلة حيال أزمة الركود التي تلوح في أفق البلاد ومدى تقبلها لفكرة تفوق الصين عليها، وقدم حلولا للأزمة على رأسها "أن تعيش البلاد وفق إمكانياتها".

وهذا نص المقال:
إن تحول الاقتصاد الأميركي إلى نوع ما من الركود حقيقة لا تقبل الجدل، وتشير الأرقام حتى الآن إلى أنه يستمر في التقدم إلى الأمام، خلافا للمنطقة الأوروبية التي بدأت في الانكماش في الربع الثاني من هذا العام.

ولكن هناك اتفاقا عاما على أنه بدأ يتراجع، وأن الناتج سيستمر في التراجع خلال الربع الأول، وربما النصف الأول من العام المقبل. وفضلا عن ذلك فإن النشرات تشير إلى انتعاش بطيء سيبدأ بحلول 2009، ولكن النشرات السابقة كانت خاطئة.

"
كل ما يتعين على الإدارة الأميركية المقبلة فعله في أشهرها الأولى هو محاولة تجنب الوقوع في الأخطاء
"
كل ما يتعين على الإدارة الأميركية المقبلة فعله في أشهرها الأولى هو محاولة تجنب الوقوع في الأخطاء.

فعمليات الإنقاذ للنظام المالي لم تأخذ مجراها في ظل احتمال ظهور ديون متعثرة أخرى. في الوقت الراهن تمكنت الإدارة من إصلاح بعض الأمور ولكن من المفيد أن نعتقد أن الإدارة المقبلة ستقوم بعمل أفضل.

إن النظام المالي الأميركي برمته تهالك بشكل خطير، وهذا بالتأكيد سيؤدي إلى إنعاش أضعف، ولكن مدى ضعفه سيبقى مجهولا.

هناك خبران جيدان لمن يصل إلى سدة الحكم: الأول أنه لا يمكن تحميله مسؤولية الركود لأنه حاصل الآن، والثاني والأهم أنه بعد أربع سنوات عندما يقدم على إعادة انتخابه سيكون الاقتصاد في حالة نمو.

وهناك دائرة اقتصادية طبيعية لا يمكن الإفلات منها، وهذا يجعل الأمر من الناحية النظرية مؤكدا بأن الانتخابات المقبلة ستكون أمام خلفية مقبولة بشكل أكثر. لهذا سيكون هناك متسع من الوقت لإصلاح الأمور لفترة أطول.

وهذا في حقيقة الأمر أكبر تحد يواجه الرئيس القادم. هل ستكون الولايات المتحدة قوة اقتصادية متهاوية، أم قوة منبعثة؟ هناك أخطاء فادحة تم اقترافها في السنوات الثماني الأولى من هذا القرن، ولا بد من تصحيحها.

والقيام بذلك لا يعني تحويل النظرة العامة الطويلة الأمد، بل تحسينها. فالإدارة الجديدة لا تملك عصا سحرية لإصلاح الاقتصاد، ولكنها تملك من السلطة ما يؤهلها لوضع الولايات المتحدة على مسار أكثر استمرارية.

وفي الواقع فإن محاولة إنعاش الاقتصاد على المدى القصير قد تعجل بالهبوط النسبي على المدى الطويل. فما العمل؟

أولا، يجب القبول بفكرة أن الولايات المتحدة مثقلة بالديون، سواء كان ذلك على المستوى الشخصي أو حتى الوطني. وتصل قيمة الديون الإجمالية، إذا ما استثنيت الأسر والشركات والحكومة، إلى 350% من الناتج المحلي الإجمالي.

وهذا أعلى بكثير من نسبة الـ300% التي بلغتها عام 1929، ومن نسبة ما يقرب من 150% في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.

وبطريقة أخرى، فإن الولايات المتحدة تستهلك الكثير من إنتاجها: أكثر من 70% مقارنة بـ65% أو أقل في معظم الدول المتقدمة.

ويتم اقتراض تلك الأموال بشكل غير مباشر من ما وراء البحار، في ظل وجود عجز حالي في الولايات المتحدة يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي. لذلك فإن المستهلكين الأميركيين حافظوا على مستوى معيشتهم بشراء السلع الرخيصة من الصين، ولكن أميركا أضحت أكبر دولة مدينة في العالم.

"
الاتجاهات الحالية توحي بأن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عشرين عاما
"

الاتجاهات الحالية توحي بأن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عشرين عاما.

وهذا بالطبع ليس أمرا مؤكدا، ولكن نموذج النمو الاقتصادي لمصرف غولدمان ساكس ما زال يعكس بشكل صحيح السبيل الذي تسلكه البرازيل وروسيا والهند والصين في تحقيق النمو مقابل الدول المتقدمة الحالية.

شيء من هذا القبيل ربما يحدث. وهذا يطرح سؤالا أمام الولايات المتحدة: هل من الحكمة أن ترهن نفسك لأكبر منافس لك تجاريا، البلد الذي هدد تفوقك الاقتصادي على مدى أكثر من قرن؟

يمكن تبرير هذا الاعتماد بالقول إن الصينيين والدول الآسيوية الأخرى عليها أن تستثمر في الولايات المتحدة لأنه لا يوجد مكان آخر، أو أنها تقوم بذلك من منطلق الثقة بالاقتصاد الأميركي.

إنك تسمع هذه الأمور في الولايات المتحدة، وما يثير الجدل أن بعض الأميركيين يقدرون أن هؤلاء المستثمرين الجدد سيبددون أموالهم بكل بساطة.

أتذكر أنني عندما جلست في مكاتب راقية بمركز بحثي بواشنطن، استمعت إلى متحدث يرحب بالاستثمار الصيني على قاعدة أن "الزبون المفضل لدى الكازينو هو المقامر الذي يفتقر إلى الخبرة". وفد السفارة الصينية من خلفي لم ينبس ببنت شفة.

ربما أحرق المستثمرون الأجانب أصابعهم في الولايات المتحدة، إلا أن صناديق الثروة السيادية التي ساهمت في إنقاذ البنوك العام الماضي خسرت الكثير من أموالها، ولكن الاعتماد على سذاجة الأغنياء من الأجانب سياسة محفوفة بالمخاطر وغير قابلة للاستمرار.

فكلما زاد التحول في الثقل الاقتصادي العالمي عن الولايات المتحدة، قلت احتمالات قدرتها على جذب تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.

إن أحداث الأسابيع القليلة الماضية ستترك أثرا عميقا على استعداد باقي أرجاء العالم لإقراض أميركا. وهذا لا يتعلق فقط بآسيا.

"
التحدي الأساسي أمام الرئيس الأميركي المقبل هو إقناع البلاد بالعيش ضمن إمكانياتها، وهذا يجب أن يحدث على المستوى الشخصي، والوطني على السواء
"
لماذا يتعين على مصرف إقليمي ألماني الاستثمار في رهون عقارية أميركية لا يفهمها لأن بعض العاملين في البنوك الاستثمارية أبلغوه بأن أمواله آمنة طالما أنها في العقارات؟

وفي الواقع، فإنه لن يفعل ذلك مجددا لفترة طويلة. وإذا ما توقف الأجانب عن استثمار مدخراتهم في الولايات المتحدة، فإن على الأميركيين أن يدخروا أكثر لأنفسهم.

لذلك، فإن التحدي الأساسي أمام الرئيس المقبل هو إقناع البلاد بالعيش ضمن إمكانياتها، وهذا يجب أن يحدث على المستوى الشخصي، والوطني على السواء.

وهذا لا يمكن تحقيقه في غضون السنوات الأربع أو الثماني المقبلة، ولكن يمكن البدء فيه.

ومع ذلك فإنه يعني ارتفاعا أبطأ في معايير المعيشة الأميركية، دون أن يكون هناك مخرج لذلك.

وهذا يطرح أكبر سؤال على الإطلاق: هل الولايات المتحدة مستعدة في القرن الواحد والعشرين للتخلي عن القيادة الاقتصادية التي شيدتها في القرن العشرين؟

ليست هناك تعليقات: