الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

مقايضات الائتمان الاقتراضي Credit Default Swaps (CDS) التي يصعب تسديدها




أسلحة الدمار المالي الشامل التي اطاحت النظام المالي الأميركي

وصف وارين بافيت Warren Buffet الملياردير الأميركي المعروف تلك المشتقات المالية بأنها اسلحة دمار مالي شامل نظرا للدور التخريبي التي لعبته في الاطاحة بمؤسسات مثل ليمان براذورز وعملاق التأمين أيه آي جي AIG اللاعب الأكبر في تأمين وضمان الديون والمشتقات المشبوهة.
وصفها آخرون بالأدوات السامة التي اطاحت بمؤسسات الاقراض العقاري فريدي ماك وفاني ماي Freddie Mac and Fannie Mae وكادت ان تطيح بعمالقة الاستثمار التجاري غولدمان ساكس وستانلي مورغان وأجبرت ميريل لينش Merrill Lynch بنك الاستثمار التجاري الضخم لبيع نفسه لمصرف أميركا Bank of America لتفادي الانهيار.

ما هي طبيعة هذه المشتقات المالية ومن اخترعها ومتى:

باختصار وتبسيط شديد يمكن تعريف هذه المشتقات السامة بالمتاجرة بالديون لتحقيق هدفين وهما الحماية ضد القروض المشكوكة التي قد لا يتم تسديدها والثانية جني ارباح كبيرة. المشكلة ان الذين دخلوا هذا المجال لم يقدروا بالضبط جدوى وفعالية هذه الادوات الغامضة والتي " تسمى بمقايضات الائتمان الاقتراضية الفاشلة والتي يتسعصى تسديدها" وهذا الاسم الطويل يمكن اختصاره بثلاثة حروف باللغة الانجليزية CDSأي Credit Default Swaps

صاحب الفكرة مدير سابق للبنك الاستثماري جي بي مورغان J P Morgan وتبلورت الفكرة في أحد منتجعات فلوريدا في ديسمبر كانون الأول عام 1997.

ليتخلص البنك من الائتمانات الاقتراضية المشكوك في مقدرة المقترض بالتسديد، يقوم البنك ببيع رزمة من هذه الديون المتعثرة لبنك آخر او شركة تأمين او مؤسسة رهان عقاري او صناديق تحوط وصناديق تقاعد. المهم ان هذه المشتقات تخرج من حوزة البنك البائع. وكشفت مجلة نيوزويك الأميركية مؤخرا النقاب عن طبيعة هذه المشتقات السامة حيث ذكرت كيف ان جي بي مورغان JP Morgan اختار 300 قرض قيمتها 9.7 مليار دولار تم اقراضها سابقا لشركات كبرى مثل فورد وآي بي م وتم تجزئة هذه القروض الى شرائح او اقسام وتم اختيار اسوأ 10 بالمائة من القروض الميؤوس منها والتي يمكن وصفها بأكثرالقروض خطورة واستعصاء على التسديد. ومن ثم يتم عرض تلك النسبة من الشرائح المالية للبيع لمستثمرين بسعر يتم الاتفاق عليه والشاري يجازف ظنا انه سيحقق ارباحا على الصفقة اذا باعها من جديد ويعتقد انها ستحميه من ظاهرة الاخفاق في تسديد القروض.

وفي السنوات الأخيرة ازداد التعامل بهذه الأدوات الفريدة المعقدة جدا لدرجة ان عدد كبير من الذين أبرموا الاتفاقات والصفقات لم يعرفوا قيمة الأصول التي تم شراءها. هذه الأدوات لا تخضع للرقابة ولا يوجد قوانين لتنظيمها ولا يوجد آلية لتسعيرها بدقة والنتيجة انها أغرقت الاسواق المالية بمعاملات مالية ضبابية غير شفافة والأسوأ من ذلك انها استفحلت وترابطت اخطبوطيا ببعضها البعض في شبكة من شركات ومؤسسات مالية عديدة حيث أن التشابك وصل مرحلة خطيرة من التعقيد بحيث اذا عصفت أزمة باحدى الشركات قد تؤدي الى انهيارات للعديد من المؤسسات في اسوأ الاحوال اوستؤثر سلبا على الآخرين في أحسن الاحوال.

يمكن عزو معظم أزمات السوق المالي منذ خريف عام 2007 وحتى تفجرت الأزمة في سبتمبر ايلول 2008 للتعامل بمقايضات الأئتمان الاقتراضي الفاشلة التي تنامت كبالون ضخم وصلت قيمته الى 62 ترليون دولار قبل تفجير الأزمة.

ومن المؤسسات الضخمة التي ذهبت ضحية لهذه الأدوات السامة ليمان بروذرزLehman Bros الذي لم يتم انقاذه وكذلك شركة التأمين العملاقة أيه آي جي AIG التي اخفقت في تسديد التزامات ما قيمته 14 مليار دولار مثمثلة بما يمسى مقايضات الائتمان الفاشلة لحساب بنوك وشركات تأمين وغيرها من المؤسسات.
من الواضح ان AIG كانت عاجزة عن ضمان مقايضات الأئتمان الاقتراضي CDS وعندما سقط ليمان سحب معه AIG ورفضت الخزينة الأميركية انقاذ ليمان ولكنها هرعت لانقاذ AIG
والسبب ان عملاق التأمين AIGهو الملاذ الأخير لتلك الأدوات السامة ولا يمكن التفريط به لأنه اذا انهار لترك آلاف الضحايا من مؤسسات ومستثمرين.

الحاجة للرقابة والتنظيم وكبح جماح (مقايضات الائتمان الفاشلة)
أو الغول الذي التهم وول ستريت
.

لا شك ان غياب الرقابة الصارمة للأسواق المالية والبنوك ساهم في خلق الأزمة ونذكر كيف ان رونالد ريغان الرئيس الأميركي الأسبق قلص دور الحكومة في التدخل والرقابة وكان يرفع شعارا "ضرائب اقل وتدخل حكومي أقل" اي ان التخفيضات في الضرائب ستكون ممولة لذاتها وان الاسواق المالية ستراقب ذاتها". هذا كان مناسبا لتلك الحقبة الزمنية ولم يعد فعالا في 2008.

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق ان الخطة الأميركية لانقاذ النظام المصرفي والمالي تشمل اصلاحات وانظمة لكبح جماح المؤسسات المالية والمتعاملون وتقييد حرية الغول الذي التهم وول ستريت.


نهاد اسماعيل
اعلامي واقتصادي عربي - لندن


ليست هناك تعليقات: