الأحد، 2 نوفمبر 2008

سوروس: على أميركا أن تتزعم خطة إنقاذ الاقتصادات الناشئة




جورج سوروس (الفرنسية-أرشيف)

في ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، كتب جورج سوروس -رئيس مجلس إدارة سوروس لإدارة الصناديق، ومؤلف "النموذج الجديد للأسواق المالية"- مقالا في صحيفة فايننشال تايمز فيما يلي نصه:
يوصف النظام المالي العالمي بشكله الراهن باللاتماثل الخبيث. والسلطات المالية في الدول المتقدمة هي المسؤولة، وهي التي يتوجب عليها القيام بكل الإجراءات الممكنة لمنع النظام المالي من الانهيار.
وعلى أي حال فلا تعير تلك السلطات اهتماما كبيرا لمصير الدول الأخرى المحيطة. ونتيجة لذلك فلا يوفر النظام المالي العالمي استقرارا وحماية كافية لتلك الدول مقارنة مع ما يوفره لدول المركز. اللاتماثل الخبيث هذا المتمثل في تكريس احتفاظ الولايات المتحدة بالتمتع بحق النقض أو الفيتو في صندوق النقد الدولي، يفسر كيف تمكنت الولايات المتحدة من التعامل مع عجز مالي متزايد في حسابها الجاري على مدار الربع الأخير من القرن.
كما فرض ما يسمى بتوافق واشنطن ضوابط صارمة على أسواق الدول الأخرى، لكن بقيت الولايات المتحدة معفاة من ذلك.
لقد دمرت أزمة السوق الناشئة عام 1997 دولا مثل إندونيسيا والبرازيل وكوريا وروسيا، لكن الولايات المتحدة خرجت سليمة منها.
وإثر ذلك اتبع كثير من البلدان المحيطة سياسات سليمة للاقتصاد الكلي، ما أدى إلى جذبها لتدفقات رأسمالية كبيرة، وإلى تمتعها بنمو اقتصادي سريع في السنوات الأخيرة. ثم جاءت الأزمة المالية العالمية الراهنة، التي بدأت بالولايات المتحدة. ولم تزل دول محيطة أخرى مثل البرازيل غير متأثرة بالأزمة بشكل كبير الآن، بل إنها في الواقع استفادت من ازدهار السلع الأساسية.
ولكن بعد عملية إفلاس ليمان براذرز، فقد عانى النظام المالي أزمة قلبية مؤقتة، ما حدا بالسلطات في الولايات المتحدة وأوروبا للجوء إلى تدابير يائسة لإنقاذه.
وفي الواقع فقد قرروا عدم السماح لأي مؤسسة مالية كبيرة أخرى بالتقصير، كما قاموا بمنح المودعين ضمانات ضد الخسائر. وكان لهذا الإجراء عواقب سلبية غير مقصودة في الدول المحيطة، فأخذت السلطات على حين غرة. وفي الأيام الأخيرة، هناك رحلة عامة للسلامة من الدول المحيطة باتجاه المركز. وانخفضت قيمة العملات مقابل الدولار والين بشكل حاد نسبيا.
وارتفعت أسعار الفائدة وزادت نسبة العجز عن تسديد الديون. وانتشرت التعاملات بالهامش أو السحب على المكشوف، حتى وصلت إلى أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وأوروبا، ما أدى إلى ظهور طيف الذعر المتجدد.
ويناقش صندوق النقد الدولي تقديم تسهيلات ائتمانية جديدة للدول المحيطة، على عكس خطوط الائتمان المشروط، التي لم يتم استخدامها مطلقا، لأن الشروط المصاحبة لها كانت مرهقة. ولا يرافق التسهيلات الجديدة أي شروط ولا تشكل وصمة عار بالنسبة للبلدان التي تتبع سياسات سليمة للاقتصاد الكلي.
وبالإضافة إلى ذلك فصندوق النقد الدولي على استعداد لتمديد الائتمان المشروط بالنسبة للبلدان الأقل تأهلا. وقامت كل من آيسلندا وأوكرانيا بالتوقيع وستلحق بهما هنغاريا.
وتعتبر هذه الطريقة صحيحة لكنها غير كافية، فضلا عن كونها جاءت متأخرة. والمبلغ الأعلى الذي يمكن سحبه بموجب هذا النوع من التسهيلات يعادل خمسة أضعاف حصة البلد الواحد.
وفي حالة البرازيل -كمثال- فيمكنها سحب مبلغ 15 مليار دولار، ما يعتبر مقدارا صغيرا مقارنة باحتياطيات البرازيل من العملات الأجنبية البالغة مائتي مليار دولار. ونحتاج إلى حزمة أكبر من ذلك بكثير وأكثر مرونة لطمأنة الأسواق.
وينبغي على البنوك المركزية لدول المركز فتح المجال أمام خطوط مقايضة كبيرة مع البنوك المركزية للدول المحيطة المؤهلة ومع الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، وخاصة الصين واليابان والإمارات العربية المتحدة والسعودية، التي ينبغي أن تطرح صناديق تكميلية تكون منتشرة بمرونة أكبر.
وهناك أيضا حاجة ملحة للقروض القصيرة الأجل والطويلة الأجل لتمكين الدول ذات الأوضاع المالية السليمة من مواجهة التقلبات الدورية متبعة سياسة كينز. حيث لا يمكن إزالة شبح الاكتئاب من شتى أنحاء العالم إلا عن طريق تحفيز الطلب المحلي.
ومما يؤسف له أن السلطات هي دائما متخلفة وراء الأحداث، وهنا يكمن السبب في كون الأزمة المالية خارجة عن نطاق السيطرة. لقد أثارت الأزمة اهتمام دول الخليج، وربما السعودية والإمارات العربية المتحدة مهتمتان بالمساهمة بصندوق دولي. لقد حان الوقت لأن نبدأ التفكير بشأن إيجاد حقوق سحب خاصة أو إيجاد صيغة أخرى لاحتياطيات دولية على نطاق واسع، لكن ذلك يخضع للفيتو الأميركي.
لقد دعا الرئيس دبليو بوش إلى اجتماع قمة للدول العشرين في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن لا توجد فائدة كبيرة في عقد هذا الاجتماع ما لم تكن الولايات المتحدة جادة في دعم جهود إنقاذ عالمية.
وعلى الولايات المتحدة أن تكشف الطريق لحماية الدول المحيطة ضد عاصفة بدأت من الولايات المتحدة نفسها، هذا إذا لم ترد أن تفقد زعمها في كونها في موقع القيادة.
وحتى لو أن بوش لا يشارك بوجهة النظر هذه، فمن المؤمل أن يشارك بها الرئيس المقبل، لكن بحلول ذلك الوقت سيكون الدمار أعظم بكثير

ليست هناك تعليقات: