الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

الطريق السريع ام 2 في باكستان.. طريق للجنة

ملحوظة :
كانت أول مرة ينضم فيها اليستير سكراتون الى رويترز عام 1998 كمراسل في بيرو. بعد ذلك انتقل الى بوينس أيرس ككبير مراسلين لجنوب أمريكا اللاتينية وغطى انقلابات في بوليفيا وأعمال عنف للمتمردين في بيرو والانفجار الاقتصادي للارجنتين في 2001 و2002 الذي تسبب في أكبر عجز في العالم عن سداد الديون السيادية. ثم عمل محررا مسؤولا عن الاخبار السياسية والعامة في أمريكا اللاتينية وقاد التغطية في أنحاء المنطقة. وفي 2007 انتقل الى الهند ككبير مراسلين حيث ركز على الانباء الاقتصادية والسياسية للهند اضافة الى التوجه الى أفغانستان وباكستان ونيبال.
وفي القصة التالية وموضوعها شاهد/باكستان-طريق وعنوانها " الطريق السريع ام 2 في باكستان.. طريق للجنة" يكتب سكراتون عن تجربته في القيادة في طريق سريع بباكستان وكأنه بحاراته الست يؤدي للجنة في بلد عادة ما يتصدر عناوين الصحف في أنباء التفجيرات الانتحارية والهجمات التي يقوم بها الجيش والازمات السياسية.
اسلام اباد (رويترز) - اذا كنت تريد أن تنعم بفترة من الهدوء وراحة البال في بلد اشتهر بالعنف والفوضى أنضحك بالقيادة أو ركوب سيارة في طريق ام 2 السريع بباكستان.
في الاوقات التي يريد فيها المراسلون الاجانب أن يمنحوا فيها البلد راحة من تشككهم الفطري يخالجني هذا الشعور مع باكستان في كل مرة أركب فيها سيارة في الطريق ام 2 الذي يربط بين اسلام اباد ولاهور وهو الطريق السريع الوحيد الذي أعرفه الذي يلهمني الكتابة.
والان اذا كان الطريق ام 2 يستدعي صور الاسفلت الممهد المستوي الذي تنتشر به محطات البنزين ومنافذ بيع الاكلات السريعة فان هذا حقيقي. لكن سرعان ما ستدرك مرة أخرى أنك في جنوب اسيا أرض الحفر والقيادة المتهورة وخروج الماشية الى الطريق بشكل مفاجيء.
وهذه هي باكستان كذلك التي تمثل بالنسبة للكثيرين "دولة فاشلة". وهنا يمكن أن يوحي هذا الطريق السلس باحساس بالتفاؤل.
أقيم الطريق السريع ام 2 الممتد 367 كيلومترا في التسعينات بتكلفة نحو مليار دولار وهو يستمر الى بيشاور تحت اسم ام 1. هذا الطريق السريع بحاراته الست وكأنه طريق الى الجنة في بلد عادة ما يتصدر عناوين الصحف في أخبار التفجيرات الانتحارية والهجمات التي يشنها الجيش والازمات السياسية.
واذا كان لنا أن نحكم على الطريق ام 2 الممهد الفعال السلس فان ما من شيء يضاهيه في جنوب اسيا.
وهو يقضي تماما على ما هو متاح في الهند العدو اللدود لباكستان والتي يرفض فيها سكان القرى بشدة التعامل مع الطرق السريعة مما يجعل الطرق ساحة معارك لعربات الريكشو وسيارات النقل والابقار.
هناك الكثير من الامور في باكستان التي لا تلقى تغطية اخبارية ومن ضمنها الحياة اليومية. وهناك أيضا حفاوة الباكستانيين في التعامل مع الغرباء والاجانب مثلي.. وكذلك الطريق ام 2 وهو دليل على أن كل شيء لا يظهر في باكستان وأن الكثير يتخفى وراء الاخبار السيئة.
وفي رحلة قمت بها مؤخرا في الطريق ام 2 التزم السائق بالسرعة المقررة. وفي هذا البلد الواقع في منطقة جنوب اسيا تعتبر الشرطة الخاصة للطرق السريعة غير قابلة للافساد. والطريق السريع خال للغاية حتى أنني أتساءل هل هذا الطريق يمر حقا بأكبر الاماكن سكانا في المنطقة.
وقال السائق نوشاد خان "سرعة 130 مقبولة لكن 131 تعني الغرامة... لدى أفراد الشرطة كاميرات". قال هذا وهو يشعر بالفخر.
وفي واحدة من أولى رحلاتي الى باكستان وصلت الى الحدود وكنت قد تركت لتوي طريقا من حارة واحدة في منطقة ريفية في الهند تنتشر به الابقار وعربات الريكشو والعربات التي تجرها الحمير.
ونقلت أمتعتي الى الجانب الباكستاني وخلال فترة قصيرة كانت سيارة الاجرة الباكستانية التي استقللتها تنطلق على الاسفلت. كان السائق يتحدث الانجليزية متفاخرا وكان يشغل موسيقى الروك الامريكية في الراديو.. بل ان لكنة المذيع كانت أمريكية. تراجعت صورة باكستان للحظة وبدأت رحلتي على الطريق ام 2 .
في التسعينات أقام رئيس الوزراء في ذلك الوقت نواز شريف هذا الطريق وكان جزءا من حلمه لطريق سريع يوحد باكستان مع أفغانستان واسيا الوسطى.
وبالنسبة لانصار هذه الفكرة فانه يظهر امكانيات باكستان. في حين أن المعارضين يقولون انه كان اهدارا للمال وان تكلفة استمراره باهظة وانه كان لعبة في يد شريف ليثبت بها عظمته.
لكن في حين أن حلمه في اكمال الطريق السريع انهار كما انهار حلم الكثير من الباكستانيين فان الجزء الذي يربط بين اسلام اباد ولاهور نجا من كل محاولات الاغتيال والانقلابات والتفجيرات.
ربما تعني تكلفته الباهظة نسبيا أنه طريق سريع للمميزين. اذ ان الباكستانيين الفقراء يستخدمون الطريق الرئيسي الاقدم المجاور الذي أقيم على طريق قديم كان يمتد الاف الكيلومترات الى شرق الهند. هذا الطريق الاقدم أقصر وأكثر ازدحاما ويستغرق ساعة اضافية تقريبا لقطعه.
وفي أحدث رحلة قمت بها مررت بالعامل الوحيد الذي يعمل من حين لاخر في الطريق وكان يرتدي زيا برتقاليا ينظف حافة الطريق السريع بطريقة تبدو رتيبة.
هناك سور يبعد الحمير والعربات التي تجرها الخيول. ولا تقل مراكز الصيانة في الطريق عن أي مركز للصيانة في الدول الغربية باستثناء المساجد الموجودة هناك التي لا تشوبها شائبة.
يمكن الاطلال على باكستان الحقيقية من نافذة السيارة لكن من مسافة بعيدة. وما زالت سيارات النقل ذات الالوان الزاهية تمر بتلك الطرق. ويتوجه من خلالها سكان القرى الفقراء الذين يعملون عملا شاقا داخل مصانع الطوب والمزارعون الذين يركبون عربات تجرها الحمير كل الى عمله.
عندما وصلنا الى لاهور أصبح الطريق فجأة يشبه الطرق السائدة في جنوب اسيا. يتسرب الغبار من نافذة السيارة.. أصوات أبواق السيارات لا تنتهي.. المتسولون يطرقون على نوافذ السيارات. بدأ السائق مرة أخرى مهمته اليومية وهي خوض معركة من أجل الانتصار في هذا الطريق.
وبينما تكشف باكستان عن وجهها بكل قوة فان العودة للواقع أمر مثير. لكنك سيراودك لا محالة شعور بالاسف لانك مررت بهذا الحلم الضائع لفترة قصيرة.
وقال نوشاد في آخر محطة بنزين قبل أن ندخل لاهور "الطريق السريع لا بأس به.. لكن باكستان.. الارهاب.. روالبندي" في اشارة الى أحدث هجوم شنه متشددون على مسجد في بلدة روالبندي والذي أسفر عن مقتل العشرات.
من اليستير سكراتون

ليست هناك تعليقات: