الأحد، 28 سبتمبر 2008

فضحية الحليب تكشف قواعد لعبة البقاء في السياسة الصينية

بكين (رويترز) - تتكرر هذه المقولة في الصين "عملنا بجد على مدار نصف عام والآن فجأة عدنا لما كانت عليه الحال قبل ان تقام دورة الالعاب الاولمبية هنا" .. وهذا ماحدث بالفعل.

واظهرت حالات تسمم جماعي من حليب جاف ملوث ومزاعم رسمية بوجود تستر وحوادث مميتة اخرى انطوت على اكاذيب رسمية ان البراعة في تنظيم دورة الالعاب الاولمبية لم تسهم كثيرا في تغيير اسلوب العمل من وراء الكواليس في الصين.

وتعهد رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو بتحسين سلامة الغذاء بعدما اكتظت المستشفيات بنحو 13 الف طفل مرضوا نتيجة تلوث الحليب بمادة كيماوية صناعية.

وبالفعل القي القبض على مديرين واقصي مسؤولون.

وقادت فضائح مماثلة لاعتقالات وقرارت فصل مشابهة وتعهدات مماثلة في العام الماضي غير ان كثيرين من الصينيين يترددون في تعليق امال كبرى على تبديد مثل هذه المخاوف.

وكتب معلق في العدد الاخير من مجلة ساذرن بريز الصينية "يتلقى المستهلكون الصينيون درسا في الكيمياء من صناعة الغذاء مرة تلو الاخرى" معددا فضائح الارز والبيض والمأكولات البحرية.

وتابع "ورغم لجوء الحكومة لاسلوب مكافحة الحريق لحلها.. فان المواطنين بمرور الوقت توصلوا بسهولة لاسلوب يتعامل مع تحرك الحكومة بوصفة لعبة."

وغالبا ما تشمل اللعبة تحجج مسؤولين بالحكومة المركزية بعدم الدراية بالامر ومعاقبة مسؤولين محليين وموظفين صغار يتهمون باخفاء المشكلة او التهوين من امرها.

لكن نظرة اقرب على كيفية تنامي قضية التلوث لتصبح ازمة وطنية تشير الى ان المشاكل اعمق في نظام سياسي تعامل في السابق مع تهديدات الصحة مثلما تعامل مع التهديدات السياسية والاقتصادية على اقصى تقدير.

وقال تشو شيفنج وهو محام من بكين تطوع لمساعدة ضحايا الحليب الجاف "يحاكي المسؤولون على المستوى المحلي الكثير من السياسات والقواعد المركزية. ولكن مطالب الحكومة المركزية كثيرة ومختلفة مما يضطر المسؤولين للجوء لذلك للبقاء."

تظهر المشاكل لدى المسؤولين المحليين ولكنهم لا يمثلون المشكلة الوحيدة."

وفي الصين قد تحجب اوليات اخرى صوت ناقوس الخطر حين تتجمع معلومات تسلتزم قرعه.

وقال مسؤولون عن الصحة والرقابة على الجودة ان الاهالي بدأوا يبلغون عن اصابة اطفال رضع بحصوات في الكلى قبل اشهر من تكشف الفضيحة علنا.

وذكر يانج جينج كي المتحدث باسم ادارة الصحة المحلية لوسائل اعلام في وقت سابق من هذا الشهر ان اقليم جانسو الفقير في الشمال الغربي ابلغ وزارة الصحة بتفشي مرض يتصل بالحليب فور اجراء تحقيق في يوليو تموز.

وقال جوان ان بينج وهو مسؤول تجاري سابق "تركز الحكومات المحلية على النمو الاقتصادي وتفادي القلاقل الجماعية كمقياس وحيد للنجاح السياسي."

وتابع "هذا ماحدث مع الحليب.. ابلاغ المواطنين عبء كبير نتيجة اتساع فجوة عدم الثقة بين الحكومة والشعب."

والمشكلة ليست بجديدة ففي عام 2003 اخفى المسؤولون انتشار مرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد (سارز) حتى تضخمت الشائعات وتحولت لحالة من الفزع. وفي عام 2004 توفي 13 رضيعا تناولوا لبنا يفتقر لمواد مغذية قبل ان تتحرك السلطات وتعالج شكاوي تقدم بها اولياء الامور منذ فترة طويلة. وفي التسعينات توفي الالاف من المزارعين بوسط الصين اصيبوا بمرض الايدز قبل ان يعترف المسؤولون بتفشي المرض ويقدمون الادوية.

ويقول عدد من المحللين ان مخاوف تجارية وسياسية على ما يبدو دفعت المسؤولين في مركز الفضيحة للاحجام عن تحرك اسرع.

وذكر مسؤول بارز في قطاع الصحة ووسائل إعلام رسمية أن المسؤولين في اقليم هبي اخفوا لاشهر دلائل متنامية تفيد مرض اطفال تناولوا حليبا جافا من انتاج سانلو وهي احد الركائز الاقتصادية في شيجياتشوانج عاصمة الاقليم.

وتمتلك شركة فونتورا عملاق منتجات الالبان في نيوزيلندا حصة في سانلو.

وابلغت شيجياتشوانج وفونتورا بمشكلة حليب سانلو السام في الثاني من اغسطس اب. غير ان المدينة انتظرت 38 يوما قبل ان تبلغ مسؤولي الاقليم رسميا الذين ابلغوا الحكومة بدورهم في الثامن من سبتمبر ايلول حسبما ذكرت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا).

وهو ذات اليوم الذي ذكرت فيه رئيسة وزراء نيوزيلندا ان حكومتها اتصلت ببكين لابلاغها بحالات التسمم بعدما احبطها عدم اخذ اي اجراء علني.

ولم تفسر شيجياتشوانج سبب التأخير خلال فترة اقامة دورة الالعاب الاولمبية في بكين. وقال جاو تشيانح المسؤول البارز بوزارة الصحة "لا توجد صلة بالضرورة" بدورة الالعاب الاولمبية.

ولكن ليس هناك مجال للشك لدى الكثير من الصينيين.

ويقول تشانج مينج المؤرخ والمعلق السياسي بجامعة رنمين في بكين الذي كتب عن الفضيحة "قدمت دورة الالعاب الاولمبية حجة سياسية للتغطية وحين اختفت الحجة ظلت المشكلة تكبر وكان لزاما ان يكشف النقاب عنها."

وتابع ان كشف النقاب عن حالات التسمم بالحليب كان سيدفع اهالي ملتاعين للقدوم الى هبي وبكين مما يهدد بفضيحة للحكومة في وقت تسلط فيه الاضواء على بكين خلال الدورة الاولمبية.

وأضاف "في وقت يمثل فيه الاستقرار الاولوية.. جاء الاختيار. سلامة الغذاء مهمة ولكن الاستقرار يتعلق ببقاء الحزب. بالطبع افترض المسؤولون ان بقاءهم يأتي في المرتبة الاولى."

من كريس بكلي

ليست هناك تعليقات: