السبت، 11 أكتوبر 2008

هل كان بالإمكان تجنب انهيار أكتوبر؟









فهد الشثري - 11/10/1429هـ
Alshathri@gmail.com


كان التراجع الذي شهدته سوق الأسهم السعودية متوقعاً بالنظر إلى الشحن الكبير الذي واجهه المستثمرون والناتج عن الأحداث التي شهدتها "وول ستريت" خلال إجازة عيد الفطر المبارك. لكن ما لم يكن متوقعاً هو حجم هذا التراجع الذي لا يمكن وصفه إلا (بالانهيار) لشموله جميع قطاعات السوق. المشكلة أن الإجازة كانت فرصة للمسؤولين ومديري البنوك لإبداء مزيد من الشفافية المدعومة بإحصاءات مقنعة للمستثمرين بمحدودية أثر الأزمة الاقتصادية العالمية في الاقتصاد السعودي وللتقليل من انعكاسات الأزمة العالمية على السوق السعودية. إذ إنه من غير المنطقي ألا يتأثر الاقتصاد السعودي (على الإطلاق) بهذه الأزمة وهو الاقتصاد المنفتح بشكل كبير سواء مصرفياً أو تجارياً على مركز الأزمة في أمريكا. لذلك كان من الأفضل أن يعلم المستثمر البنوك التي تأثرت بشكل أكبر بالأزمة العالمية لكيلا يمتد التأثير السلبي إلى جميع الشركات في السوق. وكنت قد أشرت في مقال سابق في منتصف أيلول (سبتمبر) إلى أهمية أن تفصح البنوك السعودية عن حيازاتها في السندات الأمريكية ذات المخاطر العالية، خصوصاً تلك المتعلقة باستثمارات مرتبطة بسندات أو مشتقات سندات الرهن العقاري وبشكل واضح ومفهوم للمستثمر العادي، لكيلا يؤدي ذلك إلى اجتهادات فردية تربك المستثمرين وتزيد من ضبابية الصورة أمامهم بما يؤدي إلى عملية هروب جماعي للمستثمرين من السوق كما حدث يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين.
ولا يكفي في مثل هذا الوقت أن تصدر البنوك بيانات متأخرة ومشابهة للبيانات الرسمية لتطمين الناس دون دعم ذلك بما لديها من معلومات عن استثماراتها الأجنبية أو عن الخسائر المحققة أو غير المحققة في تلك الاستثمارات حتى تاريخه. إذ إن ذلك لا يؤدي إلا إلى مزيد من الارتباك داخل السوق كما حدث بالضبط في حالة إفلاس "ليمان براذرز" التي كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة الحالية. إذ إنه على الرغم من أن "ليمان براذرز" كان تحت الإشراف المباشر من قبل هيئة الأوراق المالية الأمريكية منذ انهيار "بيرن ستيرنز". إلا أن مسؤولي البنك كانوا يؤكدون خلال تلك المدة على متانة الوضع المالي للبنك إلى أن فوجئ المستثمرون بإعلان إفلاس البنك. وعلى الرغم من اختلاف طبيعة نشاط "ليمان براذرز" عن البنوك التجارية السعودية، إلا أنني أريد أن أؤكد هنا أن التصريحات الغامضة وغير المدعومة بمؤشرات وإحصاءات عن الوضع المالي لاستثمارات البنوك لن تؤدي إلا إلى مزيد من الغموض, وبالتالي مزيد من الاضطراب داخل السوق المالية. ويكفي لأي مسؤول الدخول إلى مواقع المنتديات الاقتصادية لأخذ فكرة عن مدى تأثير هذا الغموض في انطباعات المستثمرين عن الوضع في السوق بشكل عام.
إن البنوك السعودية (التقليدية) لها استثمارات داخلية تتركز في معظمها في سندات التنمية الحكومية أو في قروض محلية, إضافة إلى استثمارات خارجية تتجاوز 70 مليار ريال, وهي تمثل إما استثمارات في سندات متنوعة الجودة الائتمانية أو في محافظ مدارة خارجياً تتركز في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذه الاستثمارات ستتأثر بدرجات مختلفة اعتماداً على المخاطر المرتبطة بها (سندات خزانة، سندات محلية، سندات شركات، أو سندات مشتقة). فعلى سبيل المثال أظهر بنك سامبا في قوائمه المالية لعام 2007 استثمارات خارجية متاحة للبيع تقدر بـ 22 مليار ريال تقريباً. كما أظهر البنك نفسه في تلك القوائم أن قيمة الاستثمارات الخارجية غير المصنفة التي عرفها على أنها (استثمارات خاصة واستثمارات في صناديق تحوط وحصص في قروض والتزامات ديون مضمونة) بلغت 7.16 مليار ريال. إضافة إلى ذلك هناك استثمارات في سندات من الدرجة الثانية حسب تصنيف موديز BBB فأقل أو ما يسمى السندات ذات العائد العالي High Yield Bonds (وذات المخاطر العالية) بقيمة 1.6 مليار ريال. السؤال الآن: ما قيمة هذه الاستثمارات؟ وما تصنيفاتها الائتمانية الحالية؟ هل يحتاج المستثمر إلى الانتظار حتى نهاية العام لإعادة تقييمها أو أن الظروف الحالية تحتم الإفصاح عن قيمتها السوقية الحالية؟ وهذا الوضع يشمل جميع البنوك التي لديها محافظ استثمارية خارجية التي يتم الإفصاح عن الوضع المالي لها في نهاية العام المالي وليس في القوائم الربعية.
إنني أرى أن هذه الأزمة تشكل فرصة لصانع القرار الاقتصادي لإعادة النظر في السياسات المتعلقة بالنظام المصرفي والمالي في المملكة (وهو في طور التشكل), خصوصاً تلك التي أعطت للبنوك مجالاً واسعاً للدخول في استثمارات تنطوي على مخاطر عالية كإدارة المحافظ الاستثمارية أو الاستثمارات التي تنطوي على سيولة منخفضة كالاستثمار العقاري. إذ يجب وضع خط فاصل واضح بين النشاط المصرفي والنشاط الاستثماري, وبالتالي تحديد نطاق الضمان والإشراف الحكومي الذي يجب أن يقتصر على البنوك التجارية. إذ إنه ليس من المنطق توفير ضمانة الدعم الحكومي المطلق للبنوك، وفي الوقت نفسه إطلاق يدها لاستثمار ودائع عملائها كيفما تشاء. وهذا بدوره سيوفر للبنوك التجارية استقراراً مالياً وسيقلل من مخاطر الانزلاق إلى وضع مشابه لوضع البنوك التجارية الأمريكية المنهارة كبنك واشنطن ميوتشوال وبنك واكوفيا سادس أكبر بنك في الولايات المتحدة، بسبب استثمار ودائع العملاء في أصول ذات مخاطر عالية.

ليست هناك تعليقات: