السبت، 11 أكتوبر 2008

الأزمة المالية والاقتصادات الناشئة








قصي بن عبدالمحسن الخنيزي - 11/10/1429هـ
alqusay@hotmail.com


بدأت البنوك المركزية الكبرى بالتنسيق مع قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في عدد من دول العالم في مختلف القارات مع نهاية الأسبوع الماضي خفض أسعار الفائدة بمعدل نصف نقطة مئوية وبمواصلة الجهود لتوفير السيولة لتفادي أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. هذه الخطوة التي لن تقلل من حالة الهلع والتخوف العالمي من الأزمة الاقتصادية التي أشعلتها سوق الإقراض العقارية الأمريكية وأطاحت بكبرى البنوك الاستثمارية وبنوك التمويل العقاري ما بين قتيل وجريح, تأتي في سياق إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفادي سقوط المؤسسات المالية التي لم تكن شريكة في عوائد الارتفاع قبل تفاقم أزمة الرهن العقاري الأمريكي وفورته وقضى الحال أن تشاركه في السقوط. بمعنى آخر، هناك بنوك استثمارية وإقراض عقاري في مختلف دول العالم لم تشارك في عرس العوائد والأرباح في وقت انتفاخ فقاعة العقار الأمريكي وارتفاع عوائد المنتجات المالية المرتبطة بهذا القطاع ولكنها اليوم تشارك في دفع الثمن وملزماً عليها أن تكون حاضرة في الجنازة. عدم المشاركة في العرس، والاضطرار إلى المشاركة في الجنازة هو أمر حتمي لسببين رئيسن هما هيمنة القطاع المالي الأمريكي على القطاع المالي العالمي وإثبات لمقولة إن العالم مسطح ومرتبط ببعضه، كما قال ميلتون فريدمان في كتابه الأخير.
وقد أشار كبير الاقتصاديين في البنك الدولي أوليفيه بلانشار في نهاية الأسبوع الماضي إلى أن الوقت قد فات لتحصين الاقتصاد الحقيقي في أي دولة من تداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة التي أصابت الاقتصاد العالمي بضربتين تتمثلان في ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية بجانب أزمة القطاع المالي الأمريكي وأن السياسات الاقتصادية والمالية المنسقة تساعد فقط على تجنب أسوأ السيناريوهات وليس النهوض بالاقتصاد العالمي. كما أشار كبير الاقتصاديين إلى أن الهدف النهائي للسياسات الاقتصادية والمالية يركز على الوصول إلى نوع من الاستقرار في الأسواق واستعادة الثقة بالقطاع المالي باستخدام أدوات السياسة النقدية والمالية وإجراءات تشمل توفير السيولة، شراء الأصول، وضخ الرساميل. بالتدقيق في هذا التشخيص، فإن العموميات قد تغيب الخصوصيات، حيث إن ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية على الاقتصادات العالمية متفاوت التأثير لكون بعض الاقتصادات كدول الخليج وروسيا والنرويج وفنزويلا تجد في ارتفاع أسعار النفط بشارة وأخبارا جيدة بينما تجد الاقتصادات المستوردة للنفط في ارتفاع الأسعار خبراً سلبياً كالحال في أسعار السلع الأولية لبعض الدول النامية. بيد أن المشترك الوحيد بين أكبر عدد من الاقتصادات هو النتيجة السلبية لأزمة القطاع المالي الأمريكي المرتبط والمؤثر في القطاع المالي العالمي بشكل يفوق ارتباط أي قطاع مالي آخر بالاقتصاد والقطاع المالي العالمي. لذلك، فتحذير البنك الدولي وتشخيصه يجب ألا يؤخذ في العموم ولكن بتفصيل لحساب التأثير السلبي لأي من الأسباب الثلاثة وتوقيتها وديمومتها في الاقتصاد المحلي للوصول إلى صافي النتيجة من تأثير أي من المتغيرات.
وكالحال في الأزمات الاقتصادية السابقة التي أدت إلى تعاون دولي وإنشاء كيانات كصندوق النقد الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد الكساد الكبير، ظهرت مؤشرات تجاوب يتسم بالمرونة غير المعهودة من صندوق النقد الدولي تؤكد عمق الأزمة المالية العالمية حين دعا روبرت زوليك رئيس البنك الدولي الأسبوع الماضي إلى إنشاء "شبكة جديدة متعددة الأطراف من أجل اقتصاد عالمي جديد" تضم في عضوية مجلسها التوجيهي دول البريكس التي تشمل البرازيل، روسيا، الهند، والصين بجانب السعودية، المكسيك، جنوب إفريقيا، ومجموعة السبع. هذه الدعوة تأتي في محلها بالنظر إلى وضع الاقتصاد العالمي الحالي وقوة تأثير الاقتصادات الناشئة ودورها المتعاظم في حسابات الناتج الإجمالي، تعداد السكان، توفير الطاقة والسلع الأولية، والدور البيئي، خصوصاً أن مجموعة السبع التي تضم أمريكا، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، كندا، وإيطاليا كانت هي محركات النمو الأساسية بلا منازع في الماضي بينما الوضع الاقتصادي الحالي يفرض وبقوة وجود الاقتصادات الناشئة التي يقترحها الصندوق.
وأخيراً، ليس تشخيص بلانشار أو اقتراحات زوليك إلا انعكاساً لوضع الاقتصاد العالمي الجديد وتشكله الذي يختلف عن الشكل القديم. فاستفادة الاقتصادات المتقدمة ومجموعة السبع من العولمة صاحبتها فوائد للاقتصادات الناشئة والمعتمدة على السلع والموارد الطبيعية بطريقة أثبتت أن حذر وتحوط الأخيرة في التعامل مع الابتكارات المالية والانكشاف عليها يجنب الاقتصاد الحقيقي الوقوع في فخ النمو السريع المبني على القروض وتكون الفقاعات من الجانب المالي، إلا أن الأمل أن يكون الهاجس البيئي والاجتماعي حاضراً على الدوام.

ليست هناك تعليقات: