الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

رهط تتبخر بمكره الأموال








د. عبد العزيز الغدير - 08/10/1429هـ
Abdalaziz3000@hotmail.com


في مدينة من مدن العالم جلس رهط من كبار رجال سوقها العقاري من الذين يملكون أراضي شاسعة، ومليارات من النقد كثيرة، وسيطرة كبيرة على مراكز صناعة القرار واتخاذه وعلى وسائل صناعة الرأي العام وتوجيهه، كما يمتلكون عددا كبيرا من مؤسسات التمويل العقاري والبنوك وشركات التقييم العقاري والمالي الأكثر شهرة وسمعة ومكانة.
جلس هؤلاء الرهط يفكرون في الكم الكبير من المنافسين الذين تزايدوا بشكل سريع نتيجة الانتعاش الاقتصادي في مدينتهم، كما يفكرون في هذه الكميات الكبيرة من الأموال التي في أيدي سكان المدينة، فضلا عن تلك التي في مؤسساتها المالية، كيف لهم أن يقضوا على المنافسين وينتزعوا تلك الأموال من جيوب الناس لتسكن في حساباتهم البنكية؟
كيف لا وهم يمتلكون كل الأدوات اللازمة لذلك، ويعرفون أن كل مستثمر أو مدخر من سكان المدينة يبحث عن قناة استثمارية تحقق له المكاسب الكبيرة والسريعة، وما عليهم سوى توفير تلك القناة الاستثمارية التي تستوعب أموالهم، وتحريك غريزة الطمع في نفوسهم بإتاحة الفرصة لثلة منهم لتحقيق مكاسب سريعة وكبيرة تحفزهم لضخ المزيد من أموالهم من ناحية، كما تحفز البقية لضخ كافة أموالهم في تلك القناة من ناحية أخرى، بل تحث أصحاب الأصول الرأسمالية لتسييلها وضخ أموالها في تلك القناة الاستثمارية الحلم.
فقال قائل منهم لدينا أراض كبيرة وشاسعة يمكننا أن نجعل منها وعاء استثماريا لكل هؤلاء لجذب الأموال المستهدفة للاستثمار فيها، ويمكننا أن نعد المخططات اللازمة والمحفزة ونعتمدها من قبل رجالنا في البلديات، كما يمكننا أن نحفز عددا من رجالنا في الجهات الحكومية الخدمية لتعلن عن عزمها تنفيذ مشاريع حيوية ومهمة في تلك الأراضي، ونقرن ذلك بالإعلان عن عزمنا تطوير منتجات عقارية متنوعة هنا وهناك، وتعزيز ذلك بتداولات وهمية مصطنعة ترفع أسعار الأراضي بشكل مفاجئ لجذب الأموال الاستثمارية التي نجعلها تحقق هي الأخرى مكاسب لتنقل أخبار مكاسبها لبقية المستثمرين وأصحاب المدخرات للاستثمار في هذه الأراضي لتحقيق المكاسب الكبيرة والسريعة.
فقال الآخر وما يضمن لنا خروجهم من قناتنا الاستثمارية تلك حال تحقيقهم المكاسب؟ فرد عليه قائلا لن يخرجوا بل سيبقون على اهتمام كبير ودائم بتلك القناة ويضخون أموالهم فيها مرة تلو الأخرى، فكلما كسبوا ورأوا الأسعار ترتفع عادوا ووضعوا أموالهم مرة أخرى طمعا في المزيد من المكاسب، ولكي يبقوا على اهتمام دائم سنوحي إلى شركاتنا وحلفائنا ومحللينا الموثوقين لإصدار التقارير والأخبار والتقييمات والتحليلات التي تؤكد على النمو المستمر لأسعار الأراضي فضلا عن عدالة أسعارها لارتفاع الطلب ووفرة السيولة وقدوم المستثمرين من الخارج إلى غير ذلك من الأخبار المحفزة التي تجعل المستثمرين وأصحاب المدخرات يطمئنون لشرائهم الأراضي بأسعار فلكية.
فقال الثالث وعندها نقرضهم المال بضمان عقاراتهم المقيمة بأسعار فلكية لكي يصبحوا تحت مقصلة المذبح المالي الذي يقطع رقابهم ولا يجعل لهم قائمة بعدها، فقال الرابع إذن فافعلوا على أن يكون لنا بضعة رجال يستثمرون مع الضحايا المستهدفة لكي يمثلوهم أمامنا وأمام رجالنا العاملين في الجهات التنظيمية والرقابية لكي تكتمل المسرحية وتكون جميع خيوطها في أيدينا.
وانطلق التنفيذ وأقدم المستثمرون وحققوا الأرباح السريعة والكبيرة وتقاطر الجميع وعم الفرح والسرور أرجاء المدينة، فالكل يربح يوميا، والكل زادت أمواله بارتفاع قيمة أصوله من الأراضي، وما أن اطمأن الجميع حتى بدأ الرهط الذي يطلع على كافة أسرار المنافسين من خلال مؤسساته بتصريف كل الأراضي بأسعار فلكية تفوق أسعار شرائها بأضعاف مضاعفة وجمعوا السيولة كلها في حساباتهم لينعم الجميع بأراض ساخنة جدا باهظة التكلفة ذات قيمة وهمية عالية تفوق رؤوس أموالهم المستثمرة والديون التي حصلوا عليها من البنوك بضمان تلك الأراضي.
ودون سابق إنذار انسحب الرهط، وحرك أدواته مرة أخرى التي تقول إن تلك الأراضي خارج النطاق العمراني، ومتنازع عليها، ومقيمة بصورة مبالغ فيها، بل إن بعضها لا يصلح لبناء مشاريع عقارية عليها، وتدافعت الضحايا لبيعها لبعضهم بعضا حتى استقرت الأراضي الجمرة في أيدي من لا يجد مشتريا ولو بأسعار بخسة تصل لأقل من 10 في المائة من تكاليف شرائها ليعود الرهط ومن خلال وكلائهم لشراء تلك الأراضي مرة أخرى بأسعار زهيدة ليستثمروها كما يشاؤون مرة أخرى، نعم عادت أراضيهم ومعها أموال المستثمرين وأصحاب المدخرات بل والأموال التي سيجنيها بعض الضحايا لعشر سنوات قادمة.
الرهط يضحكون والمستثمرون إلى إفلاس وأصحاب المدخرات تبخرت مدخراتهم، بل إن بعضهم مدين للبنوك بثلث راتبه لعشر سنوات قادمة، والاقتصاد في خطر فالمؤسسات المالية تعاني الديون المعدومة وعلى حكومة المدينة دعمها بمليارات من المال العام لكيلا تفلس ويتضرر النظام المالي وينهار الاقتصاد وتدخل المدينة في نفق مظلم، أما المسؤولون فيقولون لقد حذرناكم من الفقاعة ردا على مطالبة الإعلاميين والمحللين بمحاسبة المتسبب، أما المتضررون فيمثلهم عملاء الرهط (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم)، وما هي إلا سنوات حتى يمتص الناس الألم ويتناسوه ليأتي جيل جديد لم يمر بهذه التجربة المريرة، جيل جاهز لممارسة اللعبة عليه مرة أخرى حتى وإن حذره الضحايا من الرهط وألاعيبهم، وهكذا دواليك، ولنا أن نتخيل ماذا يفعل هذا الرهط إذا امتلك أدوات أكبر وأكثر على مستوى دولة أو لنقل على مستوى العالم أجمع

ليست هناك تعليقات: